فمن الخطأ أن تطلب من العباد أن يكونوا سواسية في الخير وطرقه، وليس هذا عدلا، فالناس فيهم القوي، والضعيف، ومنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، وكل منهم من أهل الوراثة للكتاب. وحجر واسعا من قصر الخير والنجاة من النار، والفوز بالجنة في باب واحد، أو طريق واحد.
من رأفته تعالى بالعباد نوع لهم طرق الخير، وعدد لهم سبل الوصول إلى جنته ورضوانه، فقد علم سبحانه أنهم ليسوا سواء، وأنهم مختلفو القدرات، والطاقات، والهمم، والعزائم، وكل ميسر لما خلق له، فلم يحصر ذلك في باب واحد؛ ليستطيع كل منهم أن يسابق في الباب الذي يستطيعه ويفتح له فيه!.
ولما سئل عليه الصلاة والسلام، أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله.
وسئل: أي العمل أفضل؟ فقال: إيمان بالله ورسوله. قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور. فكان الجواب مختلفا بناء على اختلاف حال السائل.
فمن الخطأ أن تطلب من العباد أن يكونوا سواسية في الخير وطرقه، وليس هذا عدلا، فالناس فيهم القوي، والضعيف، ومنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله، وكل منهم من أهل الوراثة للكتاب.
وحجر واسعا من قصر الخير والنجاة من النار، والفوز بالجنة في باب واحد، أو طريق واحد.
قال الله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. ولما أوجب بعض الناس على كل الناس أن يأتوا بالأمر كله حصل التنازع، والتكفير، والتجهيل، والتضليل، والتفسيق، والتبديع، وقدح في بعض العلماء، بل أكابر العلماء، واتهمت نواياهم، وقلل من شأنهم، والحامل عليه هو: الجهل بتنوع العبادات، وتفاوت الهمم، وعدم فقه الخلاف، والأمر أوسع من ذلك كله، فما على من أراد أن يدعى من أبواب الجنة كلها من ضرورة، والقضية أن يدخل المرء الجنة، من أي باب. وقد قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يسافرون في رمضان، فيفطر بعضهم، ويصوم بعضهم، فلم يعب الصائم على المفطر، ولم يعب المفطر على الصائم.
ولم يكن الصحابة سواء في عبادتهم، ولا في جهادهم، ولا في إيمانهم، رضي الله عنهم أجمعين، وإن شملتهم فضيلة الصحبة، قال تعالى (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى). وقال (فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى)فالكل موعود بالجنة، وإن تفاضلت منازلهم، ودرجاتهم، فمن سواهم من باب أولى.
وبوّب النووي في كتابه الشهير رياض الصالحين فقال: باب بيان كثرة طرق الخير، وساق أحاديث كثيرة تحته.
والممخضة من هذا أن لا يشترط في المسلم أن يكون عالما، مجاهدا، صائما ، قائما، آمرا ، ناهيا … الخ، وإن كان هذا هو الأفضل، ولكن قد يفتح للمسلم باب، ويغلق عليه باب آخر، فلينظر إلى الباب الذي يفتح عليه فيه ، فليعمل ، ولا يعب على آخر لم يفتح عليه من بابه نفسه، ولكن فتح عليه من باب آخر، فلله الفضل والمنة. (والله يختص برحمته من يشاء والله واسع عليم).
قال ابن الجوزي: ولا يجوز لأحد أن يحمل غيره على ما يطيقه هو، إذ إن ضابطا هو الشرع، فيه الرخصة، وفيه العزيمة، فلا ينبغي أن يلام من حصر نفسه في ذلك الضابط. ورب رخصة كانت أفضل من عزائم ، لتأثير نفعها. ا.هـ.
وخير منه قوله تعالى (قل كل يعمل على شاكلته، فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا). هذا، والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/2050165]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]