كنت في الطائرة لأستلم مهامي كملحق ثقافي للسعودية في اليابان، وقابلت صدفة أحد الأصدقاء القدامى الذين أثق برأيهم فقلت له: "لو كانت هنالك نصيحة واحدة ستعطيني إياها وأنا في هذه المسؤولية الجديدة، فما هي؟"، أطرق صديقي برأسه ثم نظر إلي وقال:"الستر! ستكون في موقع تتعامل معه مع الكثير من الطلبة وعوائلهم، وستجد أمامك الكثير من المعلومات والحقائق التي فيها خصوصية والتي سيكون بيدك أن تكشفها للعلن أو تتعامل معها بدون أن يعرف أحد.. ونصيحتي لك هي أن تستر على الناس ما استطعت إلى ذلك سبيلا"..
تلك النصيحة الذهبية أفادتني كثيرا، فكم من طالب شاب ربما تصدر منه هفوات أو كبوات، ولكن بالكلمة الطيبة حيناً وبالحزم والصرامة في أحيان أخرى يتغير مسار ذلك الشخص مئة وثمانين درجة ويغدو شخصاً صالحاً وناجحاً يشار له بالبنان بينما لو كان هنالك تصيد للأخطاء وإبراز لها فلربما كانت النتيجة هي تدمير مستقبل ذلك الشخص أو التأثير عليه بشكل سلبي لسنوات طويلة. وبطبيعة الحال لا يعني ذلك التراخي أو التساهل حيال التقصير المتعمد أو المخالفات المغرضة.
وأعجبتني الفلسفة القيادية لصديقي الياباني السيد شيميزو شينجي في تعامله مع موظفيه والتي تتمثل في أن يكون المدح والثناء على الموظف في العلن أمام الملأ، بينما يكون النقد والتأنيب والمحاسبة على انفراد بشكل يحفظ كرامة الإنسان ويجعله أكثر قدرة على الإصغاء والشرح والنقاش، لأن الهجوم على أي إنسان في العلن وأمام الآخرين سيستدعي في غالب الأمر من الطرف الآخر أن يرد بقوة وسيتخذ النقاش منحى يتسم بالتصادم والعناد بدل الحوار الهادئ الذي يفترض أن ينتهي بنتيجة واضحة ومفيدة للطرفين.
في الواقع، قد يعتبر البعض أن من مظاهر القوة والسلطة لدى المدير هي أن الصراخ بصوت عالٍ أو افتعال الشجار العلني والصدامات الدائمة مع المرؤوسين وزملاء العمل، ولكن في وجهة نظري المتواضعة أن هذا كله في أحوال كثيرة ينم عن ضعف وعدم الاستطاعة على ضبط الانفعالات أو قلة الخبرة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات حكيمة نتيجة التهور والغضب. وبالمقابل فالقوة الحقيقة هي أن تعالج مشكلة أو مشكلات في الأداء أو السلوك لدى مرؤوسك وتقنعه بتبني ذلك التحسين وتعاونه ليصبح نسخة أفضل من نفسه بما يخدمه شخصياً ويخدم المنظومة والمجتمع. وفي الوقت نفسه، فلا شك أن الجرائم أو الفساد لا يجب التعامل معها إلا بيد من حديد وبشكل حازم ليكون الجاني عبرة لكل من يعتبر ولضمان ترسيخ ثقافة النزاهة والأمانة.
وختاماً، كن القائد الذي يستر ولا تكن الذي يغدر، وكن القائد الذي يمدح ولا تكن الذي يفضح، وكن القائد الذي يعلّم ويبني ولا تكن الذي يجرّم ويجني..
وباختصار، كن منصفاً وامدح في العلن وانتقد على انفراد!




http://www.alriyadh.com/2053494]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]