أصبحت علاقتي بشنغهاي مختلفة بعد الدورة التي أنهيتها فيها، وذلك مثلها برادفورد، التي ذهبت إليها عام 2006، في دورة مماثلة لمدة 3 أشهر. فجامعة شنغهاي للدراسات الدولية التي احتضنتني تتكون من حرمين جامعيين، أو جناحين خفاقين تحلق بهما: أحدهما في منطقة هونغ كوو، والثاني في سونغ جيانغ. فهذا الحرم الأخير ملاصق لوادي الابتكار العلمي والتكنولوجي G60 الذي يمتد بين شنغهاي و8 مدن أخرى محيطة بها، مشكلاً بالتالي وادياً واحداً و9 مناطق للعلم والابتكار. ويمكن رؤية هذا الوادي أثناء القيادة على امتداد سونغ جيانغ من الطريق السريع، حيث يمكن ملاحظة العديد من المجمعات الصناعية والمنشآت الحديثة، بما في ذلك منطقة الابتكار وريادة الأعمال الواقعة في مدينة سونغ جيانغ الجامعية، والتي تعتبر بمثابة القلب النابض لهذا المشروع الحيوي.
وأدى النجاح الذي حققه هذا الودي، منذ انطلاقته عام 2016 إلى زيادة الاهتمام به، وتحوله من مشروع محلي إلى مشروع إقليمي، ومن ثم إلى مشروع وطني كبير، يحظى بدعم ورعاية الحكومة الصينية، التي تطمح أن يكون لهذا الوادي مساهمته في التطور اللاحق الذي سوف تشهده البلاد. ولذلك تم إدراجه عام 2021، ضمن الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025) للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الصينية والأهداف طويلة المدى حتى عام 2035.
وهذا ليس مصادفة، فوفقاً للتقرير الأخير 2024، الصادر عن مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال البريطاني سيبر، CEBR، فإن الناتج المحلي الإجمالي الصيني سوف يتخطى الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي في عام 2038. ولذلك، فإن الصين تتوخى أن تشارك أودية الابتكار الصينية ومن ضمنها وادي الابتكار على دلتا نهر اليانغتسي بدور مماثل لوادي السيليكون في المنطقة الجنوبية من خليج سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة. فالصين ترغب أن تنجز الثورة الصناعية الرابعة، وهذا يتطلب أن يكون لديها اكتفاء ذاتي في كافة مجالات التكنولوجيا المتطورة، ومن ضمنها أشباه الموصلات المتطورة، ورقائق الذكاء الاصطناعي فائقة التطور 7 و5 و3 نانومتر، حيث ترغب الصين في تحقيق اختراق في هذا المجال، رغم محاولات الولايات المتحدة بناء حائط مرتفع حول هذه الرقائق لمنع وصول الصين إليها. وذلك ضمن ما تطلق عليه الولايات المتحدة "الحديقة الصغيرة والسياج العالي"، بحيث تبقى أسرار تلك الرقائق داخل حدود أمريكا، وضمن ضوابط غاية في الشدة، تمنع تسرب أسرار صناعتها إلى الصين لأطول فترة ممكنة. شأنها في ذلك شأن الطباعة الخماسية، بما في ذلك تقنية الأشعة العالية الدقة ما فوق البنفسجية والمجسمات المصنوعة بحزم الذرات المشحونة بالكهرباء.
ولذلك، فإن المملكة يمكن أن تعزز علاقة الشراكة الاستراتيجية مع الصين التي عمادها التجارة، بشراكة استراتيجية في مجال الابتكارات والتكنولوجيا المتطورة، حيث يمكن للنسخة السعودية من وادي السيلكيون، ألا وهي المنطقة الاقتصادية الخاصة للحوسبة السحابية والمعلوماتية، والتي هي واحدة من 4 مناطق اقتصادية خاصة أطلقها ولي العهد، أن تتعاون وتوثق العلاقات مع وادي الابتكارG60 في شنغهاي، فهناك العديد من الطموحات التي تجمعهما وعلى رأسها: رؤية المملكة 2030 ومبادرة الصين حزام واحد وطريق واحد.




http://www.alriyadh.com/2054759]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]