كل محاولات وجهود السلام منذ آخر ثلاثة عقود من القرن الماضي كانت تحمل فكرة واحدة هي فشل المفاوضات بطريقة دراماتيكية، وكانت المفاوضات -بغض النظر عن جودتها أو جديتها- تبدأ بجاذبية سياسية عالية، ولكن دائماً ما كانت المئة متر الأخيرة في جميع مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منطقة لفشل الجهود وعدم الوصول إلى اتفاقات ملزمة..
قاعدة السلام تقوم على مبدأ مفاده أن يكون السلام قيمة مشتركة بين إسرائيل والفلسطينيين، واذا وجد هذا المشترك فإنه يمكن البناء من أجل قيام اتفاق للسلام، ولكن الواقع مختلف؛ فإمكانية التوصل إلى اتفاق دائم تبدو بعيدة وخاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر، حيث ترفض إسرائيل وبشكل مباشر فكرة السلام التي تطرحها الدول العربية.. تاريخيا مرت القضية الفلسطينية بالكثير من المفاوضات الفاشلة والسبب خلف ذلك هو رغبة إسرائيل الدائمة بتفضيل الوضع الراهن دون تقديم أي فرص للتقدم في حل القضية.
المجادلة التي يطرحها هذا المقال تدور حول فكرة الزمن والمستقبل والكيفية والقدرة التي سوف تقاوم بها إسرائيل الرغبة الدولية لصنع السلام، الفكرة الإسرائيلية القائمة تدرك أن الاستيلاء على الأرض الفلسطينية بشكل متدرج أصبح مهمة صعبة، لذلك فقد أظهرت إسرائيل وبشكل تاريخي أنها تفضل الأرض على السلام وتتحدى الواقع، إسرائيل تتبنى فكرة أن السلام ووجود دولة فلسطينية سوف يضع حدا لمشروعها الاستيطاني مع إدراكها أنها لن تعطي الفلسطينيين في حال قبول حل الدولتين أكثر من خمس الأراضي الفلسطينية فقط 22 % من الأرض.
السؤال هنا: هل فكرة السلام فكرة ذات فائدة لإسرائيل ويمكن ترجمتها إلى واقع؟ إسرائيل فعليا غير مهتمة بوجود شريك فلسطيني للسلام؛ والسبب بسيط جدا هي تريد الحفاظ على سيطرتها على الأرض ولن تقبل أي قوة فلسطينية كشريك تفاوضي، السؤال الآخر: هل تدرك إسرائيل أن الوعي العربي استطاع تجاوز مرحلة التوقف عند فكرة السلام، وخاصة أن فكرة المقاومة بجميع جوانبها المادية والمعنوية تحولت إلى أسلوب مختلف لدى الفلسطينيين والعرب بعد أحداث غزة؟ وهنا يأتي السؤال الآخر: أيهما أكثر سلامة لإسرائيل فكرة السلام أم مواجهة فكرة المقاومة المتزامنة مع تغير الواقع الدولي الذي أصبح يرى القضية بمنظار مختلف، فلم تعد إسرائيل هي ذاتها وتغيّر الأفكار الدولية حولها يؤدي بلا شك إلى تغير المواقف منها.
اليوم ونحن نعيش أحداث غزة بهذا الرقم الكبير من القتل وهذا الكم من التهجير وهذا الإصرار بعدم إدخال المساعدات الإنسانية، فإن مسألة السلام أصبحت مهمة دولية وليست إسرائيلية، وإذا لم يتم دفع إسرائيل بالقوة نحو السلام فلن يستطيع العالم منع فكرة المقاومة المطلقة، إسرائيل لن تتمكن من العودة إلى مساحات ما قبل أحداث غزة، وأي حرب محتملة في المستقبل يمكن أن تقوم بها إسرائيل سوف تضاعف من الفهم الدولي لفكرة الاستيطان التي ترعاها إسرائيل وسوف تسقط وبشكل تدريجي فكرة الاتفاقات السياسية العربية مع إسرائيل بما فيها فكرة التطبيع.
كل محاولات وجهود السلام منذ آخر ثلاثة عقود من القرن الماضي كانت تحمل فكرة واحدة هي فشل المفاوضات بطريقة دراماتيكية، وكانت المفاوضات -وبغض النظر عن جودتها أو جديتها- تبدأ بجاذبية سياسية عالية، ولكن دائما ما كانت المئة متر الأخيرة في جميع مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منطقة لفشل الجهود وعدم الوصول إلى اتفاقات ملزمة، من وجهة نظر التاريخ هذه الحالة سوف تستمر بذات الطريقة، حيث يتطلب الأمر اليوم تدخل أطراف دولية جديدة، والحقيقة أن مؤشرات تشكل النظام الدولي الجديد تقترب من الظهور، ولذلك فإن الفرصة الإسرائيلية الأخيرة لمعالجة القضية الفلسطينية من الجانب الإسرائيلي هي أحداث غزة.
ما يحدث في غزة تتحمله إسرائيل فهو أشبه بتطهير عرقي للسكان وإبادة جماعية، ويتحمل الغرب الكثير من المسؤولية سواء ما يجري في الحاضر أو حتى ما حدث في الماضي، فالدعم الغربي لإسرائيل بالسلاح وحمايتها من العقوبات الدولية كل ذلك يقع على عاتق الغرب، ولكن السؤال: إلى متى سوف يستمر الغرب في ذلك؟ وإلى متى سوف تستمر إسرائيل في فعل ما تريد دون توقف؟ في الواقع إن أحداث غزة مفصل مهم في فكرة المقاومة وفكرة العنف الإسرائيلي وسواء أرادت إسرئيل أم لم ترد فإن ما قبل أحداث غزة مختلف عما بعدها وسوف يفرض واقعاً مختلفاً للقضية.
أعود إلى سؤال العنوان: لماذا لا تريد إسرائيل السلام والى متى؟ لا توجد إجابة يمكن تبنيها عطفا على تاريخ إسرائيل في المنطقة سوى أن إسرائيل لا تريد السلام الذي يتعارض مع فكرة الاستيطان، فهي ترغب في النهاية في تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها، ولكنها تنسى أن فكرة القضاء على شعب فلسطين أصبحت فكرة مستحيلة واقعياً، ولذلك فإن خيارات إسرائيل تضيق بشكل تدريجي فلم يعد العالم كما هو، أو كما تركته إسرائيل قبل أحداث غزة الأخيرة، لأن تحوّل فكرة السلام إلى قضية مقاومة هو الخطر الذي يجب أن تخشاه إسرائيل، ولذلك ليس لديها خيار متاح سوى أن تمنح الفلسطينيين دولة مستقلة بحدود العام 1967م.




http://www.alriyadh.com/2055078]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]