أنت كما أنت يجب أن تكون هكذا، فلا قانون الغير ينفع لنا ولا قوانينا تصلح لهم حين نفقد بُعدها العقلي لقياس الأمور بالعقل الناضج، البعض أصبح يقيس ويقيّم الآخر من خلال مسطرته الخاصة التي قد تسقطه في الحكم الصادق على ذلك الشخص لأنه معتقل في قناعاته ورغباته الخاصة التي يريدها في الآخر..
أتاني يهرع إليّ.. متضايقاً بشدة.. ومشدوداً بضيق.. كانت بعض الأسئلة تتساقط من فمه بلا ترتيب.. يقول: ماذا حدث لبعضهم؟ يريدونك أن تكون معلّباً بمزاجهم، مملوءاً بأجوائهم، وموافقاً لأهوائهم لكي تكون شخصاً "وسيع صدر"، ومميزاً، و"منشكحاً" لكن بطريقتهم.. بمعاييرهم.. أو يصفونك بـ"نفسية ".
فهمت الآن.. وعرفت ما الذي كدّره.. ناداه أحدهم يا "نفسية " لأنه لم يتماهَ مع "جوّهم".. أدركت أنها مفردة ممغنطة تحت اللسان.. تتجاذب حروفها بسرعة.. فتنطلق دوماً في صوت مبروم.. لتصف الآخر بطريقة غريبة.. وتنعته بأسلوب مستنكر.
بالفعل سمعتها.. شاهدتها مراراً لكني لم ألتفت.. ولم أهتم.. فهمت ما إن يخالف أحدهم رأيك، أو تميل غير ميله، أو تتجه باتجاه آخر، أو لم تدخل في مزاجه، أو يكون رأسك مشغولاً في أمر ما، أو "لا تفرفش" حتى لو كان سخريةً، أو استهزاءً، أو لا تضحك على نكت سامجة، أو لا تقبل مقالبهم غير المسؤولة.. فأنت "نفسية".. أي نفسك مريضة.. ولست سوي النفس.
من أعطى بعضهم حق التصنيف؟ ومن منحهم فرصة الحكم على الغير هكذا..؟ ولماذا وصل بنا حد الاختلاف في الرأي، والتخالف في الأمزجة، والتباين في الاتجاهات إلى استغلال الآخرين نفسياً عند مخالفتهم لنا..؟ من المعتل حقاً؟ أليس من يريد إجبار الناس على هواه، وخياراته حتى لو كانت فارغة هو "النفسية"؟
لماذا أخذت مسارات العلاقة بين البعض نحو التضييق، والانحسار، والحصر في زوايا الكدر.. وأصبحت بعض المجالس تضع قوانين عجيبة مقلوبة الفهم، ومفهومة الانقلاب..؟ أين حدود الآخر، وخياراته، وآراؤه، وواقعه، أخلاقه من أولئك الذين يريدون تسيير الأمور نحو متاهات مأزومة بتنفير الغير..؟ ألا يفهم هؤلاء أن كل علاقة تبنى على مودة كريمة، ومواقف طيبة، ولقاءات جميلة، وأحاديث ممتعة، وطرائف نقية، وترك الكل في مساحته الخاصة.
أنت كما أنت يجب أن تكون هكذا، فلا قانون الغير ينفع لنا ولا قوانينا تصلح لهم حين نفقد بُعدها العقلي لقياس الأمور بالعقل الناضج، البعض أصبح يقيس ويقيّم الآخر من خلال مسطرته الخاص التي قد تسقطه في الحكم الصادق على ذلك الشخص لأنه معتقل في قناعاته ورغباته الخاصة التي يريدها في الآخر.
من حق كل شخص يعيش بجوارنا وبيننا أن يحظى بواقع معتدل يلائم الجميع وليس من حق الآخر أن يضع لغيره نظاماً أو سياقاً وسلوكاً يوجبه على الاتباع، فالنقط العمياء هي ما تصدم الناس ببعضها ولا تساعدهم على التناغم النفسي، ومن حق المجالس أن تتاح للجميع بسياقات موزونة بين المفروض والمرفوض، فالجلساء مختلفون فيما بينهم ولا يمكن أن تصنع لهم مسارات أحادية تجعلهم ينساقون ضمنها.
ويبقى القول: قلت لرفيقي لا تكن حساساً.. ولا تهتم بما يقولون، فعقول أولئك سريعة، وقلوبهم شتى، وخياراتهم تخصهم، وموقفك يخصك.. كن بينهم كما أنت، وليس كما يريدونك.. حتى وإن وصفوك بما يشاؤون.. فلا يبقى إلا الجميل.. فكل "نفسية" بما فيها تنضح..!
http://www.alriyadh.com/2055973]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]