مع خطوات الإنسان المعاصر اللاهثة وراء الغد وأفعال المستقبل يظل الشعر أحد أهم مكونات الجوهر الإنساني.. فهو كوّة من الأمس والغد.. الأحلام والذكرى.. الأثر والخلود، الحقيقة ورحلة البحث عنها، فالشعراء الذين يقومون برحلات متتابعة نحو الجوهر الإنساني ثم لا يعودون منه إلا ببخور أرواحهم، سيبقون دائما أحد أهم مصادر توثيق الوجود حين يتركون في قصائدهم يومهم وفي تداعياتهم أمسنا جميعا وفي استشرافهم ما لا نراه دونهم ... في فرسان حيث «مفتاحها» الوجودي الشاعر إبراهيم مفتاح الذي حمل بصوته دائما جزيرته الساحرة لينقلها إلى أصقاع الدنيا .. مؤمنا أنها من الشعر وإليه .. حين قال: «فرصان» قبل زمان الشعر شاعرة وكل عام لها في عيدها عيد لم تعتسف وجههَا البحريّ أزمنةٌ ولا سرت في خلاياها التجاعيدُ هناك اجتمع مايقارب من سبعين شاعرا على غصنٍ واحدٍ ينشدون المكان والزمان والوطن لم نرَ ذلك الصراع أو التباين أو حتى تصادم الأذواق الذي عانت منه قصيدتنا المحلية بل والعربية لأكثر من أربعة عقود.. الجميع أنشد مايشبهه ووافق مايشبهنا، لم نعتنِ جميعنا بثياب القصيدة أو صوت مشيتها جاءتنا دائما مهيَّأة للتلقّي وآيلة للذيوع، وبالتالي بدا لي بوضوح تجاوزنا لمرحلة مهمة جدا تعثّر بها إبداعنا الشعري جرّاء دخولنا قبل عقدين من الزمن أو تزيد بأزمة النوع التي تبنّاها شعراؤنا قبل مريديهم، حينما ظنَّ كل واحدٍ منا أن النوع أو الشكل الشعري الذي يكتبه هو الوحيد الناجي من أزمة افتعلناها للشعر وتكبَّبت فيها قصائدنا بسبب حالة تلقّي معلّبة ومفصّلة لشكل شعري معين دون غيره ودون الانتباه للتغيرات الجوهرية التي يمرُّ بها الشعر وتشكّل دائما موقفه من الوجود، صحيح أن القصيدة الكلاسيكية تصدّرت المشهد كقصيدةٍ منبرية، وبدت أحيانا مثقلة منهكة من تكرارها إلا أنها لم تصادر غيرها وإن أرادت! فضلا عن كون القصيدة الفصحى بكل أشكالها تزامنت كذلك مع القصيدة المحكية حيث اشتملت كل أمسيات الملتقى على شاعر محكي أو أكثر.. ليثبت هذا المهرجان ما كنت أردده دائما عن كون الفصيح والمحكي «سطران أحلاهما شعر» ... أما عن تنظيم هذا الملتقى على هذه الجزيرة الساحرة فقد جاء مكتملا مضيئا بهمّة بناتنا وأبنائنا من فريق عمل جمعية الأدب المهنية، الذين طوّقوا قلوبنا بمكارم بياضهم وذللوا لنا كل عثرات تعترضنا على مستوى الإقامة أو التنقّل وعلى رأسهم المضيء في كل زمان ومكان الصديق المدهش الأستاذ عبدالله إبراهيم مفتاح المدير التنفيذي لجمعية الأدب، الذي أضاف لليالي الشعر.. حفلات غنائية نختتم بها ليلنا على مدار أيام الملتقى الثلاثة، برز من خلالها الشاب الجميل محمد مفتاح صوتًا مخمليّا ساحرا اعتنق الإحساس «الطلالي» وأعاد إلينا الحنين الشجيّ فيه.. ومحمد مفتاح هو ابن الشاعر إبراهيم مفتاح وأخ الصديق الأديب عبد الله مفتاح.. ولهذا قلت إن عائلة المفتاح هي مفتاح الضوء لهذه الجزيرة الساحرة.. وكعادة هذه الملتقيات تحمل هوامشها وتجلياتها الكثير من أصدقاء الشعر وذاكرة الزمن .. ولست هنا بصدد حصر القلوب البيضاء التي عدت محمّلا بها .. لكن لقائي الطويل مع الصديق القديم الجديد دائما الشاعر القدير «طارق أبو عبيد» كان لقاء حنين وذاكرة، حيث استعدنا معا بداياتنا في تسعينات القرن الماضي حينما جمعتنا صحيفة الرياض واحتوانا -بينما كنا صغارا- ذلك الصديق الشامخ والأب الفاضل الأستاذ الشاعر الكبير سعد الحميدين مدير تحرير الشؤون الثقافية في جريدة الرياض في ذلك العهد. الحديث لا ينتهي عن هذا الملتقى الذي عدت به وأنا على يقين من أن فرسان انتصرت للشعر ودفعت الحضور كل الحضور للسلام على القصيدة كيفما جاءت على عنقِ بعير أو على جناح طائرة أو حتى على رقصة قرْطٍ.




http://www.alriyadh.com/2056120]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]