كوب قهوة وكتاب؛ هذه أنصع وأجمل صورة ذهنية تجمع الأدب بالمقهى. لكن أن تصبح الصورة كتاباً ومقهى وأمسية أدبية وجمهوراً وتكريماً، فهذه قفزة على كل الصور الذهنية، وطمس لمحدودية الطموح، ونقل من الحلم المستحيل إلى الواقع المحقق.
ما القصة؟
نفترض السؤال وعندما نكتبه ونبدأ محاولة الإجابة عليه يتلاشى مفهوم الإجابة الواحدة وتتجسد باقة من إجابات تشبه باقات الورد.
هكذا هي الأسئلة التي تجعلنا نحتار بين الإجابات المتعددة التي تتحرك أمامنا صوت وصورة وزمان ومكان، ولكن زيارة عجلة لصفحة موقع الشريك الأدبي على الشبكة تجعلنا نخرج من تشظي الإجابات إلى دقة الشرح، وإشباع الفضول، ووضع الإجابة الشافية على أسطر تنتظر المعلومة، ولذلك ستكون الإجابة على: ما القصة؟ من خلال اللسان المبين لهذه الصفحة الفصيحة، وستكون الإجابة وفق العناوين الرئيسية والفرعية مع التصرف بما لا يفقد البيان المدون في هذه الصفحة حلاوته ومعلوماته المهمة.
من المقاهي إلى المجتمع
العلاقة بين المقهى والمجتمع علاقة دائرية، وهذا النوع من العلاقات يهتم به علم الاجتماع كما يهتم بالعلاقات الخطية، والعلاقات الدائرية تعني التأثر والتأثير والأخذ والعطاء بين عناصر هذه الدائرة الاجتماعية الثقافية، وقد جاء تجسيد هذا النوع من العلاقة في العبارة: "من المقاهي إلى المجتمع.. نمهد للأدب طريقاً".
"من المقاهي إلى المجتمع.." كُتبت هذه العبارة بنباهة شديدة، وبموضوعية حقيقية فهي لم تقفز على الممكن واختارت مفردة "نمهد" وهذا الذكاء والمنطقية في استخدام المفردات يعني وضع المتحقق الممكن حتى لا يذهب بعيداً ويقصر عن تحقيق الهدف، ولكنه يضع هدفاً أبعد حتى إذا ما تحقق كان للإنجاز طعمه في تحقيق الممكن والوصول إلى ما هو أبعد، وهذا ما تحقق نظرياً وعملياً، فالمقهى أخذ بيد الثقافة إلى المجتمع تحقيقاً للهدف المعلن، وزاد على هذا بأن فتح طريقاً مزدوجاً بين المجتمع والأدب ليصبح المتحقق: من المقاهي إلى المجتمع ومن المجتمع إلى المقاهي.. نجسد للأدب طريقاً.
هذه العلاقة الماثلة واقعاً، تجسد لنا مثالاً حياً للعلاقة الدائرية بين المجتمع والمقهى، فلم تعد المقاهي مجرد مكان وكتاب لتمضية وقت "فراغ"، بل أصبحت فراغاً ملأته الثقافة والأدب من خلال المجتمع، ووصولاً إلى المجتمع، وارتباطاً بالمجتمع.
لم يعد ذهاب الأبناء إلى المقاهي أمراً يربك ولي الأمر ويجعله يرتاب من تضييع وقتٍ تكون الدراسة أو البقاء في المنزل هو الخيار الأكثر أماناً، وأصبح وقت المقهى؛ وقتاً للثراء المعرفي، والمتنفس الإنساني، وللاستزادة من المحفزات الثقافية، ولتقوية البناء الذاتي داخل الإنسان.
أصبحنا نرى في المقهى أجيالاً مختلفة تلتف حول موضوع ومتحدث، وتشارك وتتفاعل، وتجعل ما يسمى بنظرية "التبادل الاجتماعي" دراما -تعبير أدبي وثقافي- حية متجسدة في لغة ترتقي بالإنسان وتتناسب مع ما وصلت إليه الحياة الثقافية والأدبية في المملكة العربية السعودية من وعي وانسجام بين مكونات المجتمع الحي الحيوي.
الثقافة أسلوب حياة
من بين التعريفات الكثيرة جداً للثقافة والتي وصلت عند بعض العلماء إلى أكثر من مائة وستين (160) تعريفاً؛ نجد أحد أهم المفاهيم يشير إلى أن الثقافة: طريقة كاملة للحياة لدى مجتمع معين، يتعلمها ويتقاسمها أفراد هذا المجتمع. وهذا هو المعنى المباشر المجسد للعنوان "الثقافة أسلوب حياة" الذي اختارته مبادرة الشريك الأدبي ليكون نقطة الانطلاق الحقيقية لفكرتها التنفيذية العبقرية، وهذا يأخذنا إلى فكرة "نقطة الصفر" وهي نقطة افتراضية تضعها الرؤى الاجتماعية بأشكال متعددة بين تاريخ أو مكان أو رؤية افتراضية فلسفية أو هدف يكون هو المنطلق وفي الوقت ذاته هو المستهدف، وهذا ما طبقه الشريك الأدبي فعلياً من خلال مشروعه الثقافي.
هذا المفهوم الواسع للثقافة أحياناً والمحدد أحيان الذي تتحرك فيه المؤسسات الثقافية المبنية توجهاتها على خطة تنظيرية تنفيذية واضحة كما هو الحال في وزارة الثقافة التي ترسم لنا واقعياً رؤية المملكة 2030 في نقاطها المتعددة، ومحاورها المتكاملة، فعلى المستوى الفردي تقوم على تهيئة الأجواء الثقافية للفرد لتحقيق ذاته من خلال المبادرات المتعددة ومنها مبادرة الشريك الأدبي تحت مظلة مباشرة هي هيئة الأدب والنشر والترجمة فيتحقق هدف ترويج الأعمال الأدبية بشكل مبتكر، وبث روح التفاعل من خلال الرمزيات الثقافية المتعددة، ومن خلال التفاصيل المباشرة للتفاعل المتعدد بما يمكن تفسيره من خلال "نظرية التفاعل الرمزي"، وكذلك على المستوى الاجتماعي الذي يفترض أن الثقافة وثيقة الصلة بمفهوم الحضارة ليكون الرقي الحضاري هدفاً اجتماعياً يستوعب المستجدات المتلاحقة للحياة وعجلتها المتسارعة دون فصله عن سياقه التاريخي وإرثه العميق التجذر، وموروثه الإنساني وهويته الأصيلة.
وقد كان هذا العنوان من العمق أن يجعل منه مادة وموضوعاً لندوة قدمها الأستاذ عبدالله الحسني في أحد مقاهي الشريك الأدبي، والتي جاءت بين عمق الطرح ورمزية المكان الذي جمع بين أصالة المكون المادي المفتوح على الفضاء الخارجي بامتداده الواسع بين حضارة حاتمية في منطقة حائل الغنية بإرثها وتراثها، وكيانها الحالي المتصل برحابة صدور أهلها وثقافتهم الواسعة من خلال حضور متنوع المشارب بين مثقف أكاديمي ومهتم وممارس للعمل الثقافي. لتكون خير تجسيد لمفهوم الشريك الأدبي بين الإنسان المحتفي بضيفه كرماً ونبلاً وحفاوة وبين المضيف المتفاعل مع هذا البهاء الذي ارتسم في الإنسان والمكان وفي الموقع الممثل للشراكة الأدبية خير تمثيل متزين برحابة الترحيب، وفضول المعرفة حول اسمه المنتقى برمزية الرقم والشهر 6 أيلول. فكان التقاء الرمزية بدلالاتها الثقافية المختلفة لا ينتظر الإجابات بقدر ما يخلق التفاعل البناء في بناء أجيال تلتقي وتلتف حول الأدب شريك ومضيف وضيف، ولتدفأ ليالي الشتاء الحائلية الباردة بحرارة اللقاء الثقافي وعمق الطرح بين المتحدث المثقف والجمهور الراقي فكراً، حديثاً، إنصاتاً.
أهداف الشريك الأدبي
الهدف هو المحطة الأخيرة افتراضياً، ونحن نقول افتراضياً لأنه من خلال التحليل العميق لمحتوى موقع الشريك الأدبي نجد أن الأهداف تأتي على أشكال محددات مراحل عمل، وأن الأهداف تتوالد وتتجدد على أرض الواقع، ولكن حتى لا نتوسع كثيراً في هذا الجانب سنعرض هذه الأهداف بناء على عرضها في الصفحة في محاولة لمقاربتها مع المتحقق على أرض الواقع. والأهداف جاءت كما يأتي:
جعل الثقافة أسلوب حياة.
تعزيز قيمة الأدب في حياة الفرد.
دعم انتشار الكتاب السعودي محلياً وعالمياً.
تعزيز دور مؤسسات القطاع الخاص والثالث في النهوض بالقطاع الثقافي.
إلهام الأفراد للإنتاج الأدبي والثقافي.
قد تكون كلمة إلهام التي جاءت في افتتاح الهدف الخامس من أهداف المبادرة؛ هي الأنسب لوصف هذه الأهداف بل ووصف المبادرة ذاتها. هذا الإلهام الذي جاء متحققاً في "الشريك الأدبي" فكرة وتنفيذاً.
الإلهام الذي أحال المقهى إلى مكتبة معرفية، ومعمل أفكار، وقارب اجتماعي، وملتقى ثقافي، وهو الذي أحال الأهداف إلى متحققات وجدناها ماثلة على أرض الواقع، فقد أصبحت الحياة أسلوب حياة تنبض في قلب المجتمع، وحظي الأدب بمكانته المرموقة، وطُبع الكتاب بمبادرة واعية، وبتنوع في المواضيع وتعدد في الأسماء، وبدأنا نشاهد مؤسسات القطاع الخاص والثالث تنهض بالقطاع الثقافي، وجاءت أحد برامج إلهام الأفراد للإنتاج الأدبي والثقافي ممثلة في المعتزل الكتابي وغيره.
نظرية الأجيال والشريك الأدبي
كسر حاجز الزمن في واقع الظواهر الثقافية والاجتماعية -
على قدر صعوبة الاحتفاظ بنظرية واحدة تقسم الأجيال وفق اعتبارات منطقية ومنهجية على قدر متعة التعامل مع هذا النوع من القراءة وفق طبيعة كل جيل، ومن منطلق عدة نظريات، وقد كان لي تقسيمي الخاص للأجيال السعودية في جزء من أجزاء رسالتي العلمية، وجاء هذا التقسيم ثلاثي المفهوم والتواريخ، وعلى النحو التالي:
جيل التوحيد والبناء (مواليد ما قبل 1964م).
جيل المرحلة الانتقالية والتحولات الكبرى (مواليد 1964- 1994م).
جيل التواصل والرؤية (مواليد 1995- الوقت الحالي).
أما عن علاقة الأجيال ونظرياتها المتعددة بالشريك الأدبي، فيمكن أن نلاحظ دون أدنى عناء أن الالتفاف حول الفكرة الواحدة قد تحقق في هذا المشروع، وأن انجذاب الأجيال المتعددة حول مشترك قد تجسد في الشريك الأدبي، وهو أمر جدير بالاهتمام والدراسة، فالأجيال لا تلتقي بشكل كامل إلا حول ظواهر محددة.
ومن جهة أخرى، يمكن القول: إن الشريك الأدبي حقق عناصر تؤهله أن يكون ظاهرة اجتماعية ثقافية حديثة المنشأ. وأن هذه الظاهرة لم تتحقق -على حد علمي- في أي مجتمع آخر. وإضافة لهذا فإن الشريك الأدبي قد اخترق أحد أهم عناصر الظاهرة، وهو عنصر الزمن الذي تستغرقه الظاهرة ليطلق عليها ظاهرة. بما يمكن توصيفه بكسر حاجز الزمن في عناصر تكون الظواهر الثقافية والاجتماعية.
ومن حيث ما يمكن أن نسميه تمازج الأجيال، فيمكن الاستشهاد بإحدى مناسبات الشريك الأدبي التي لفتت انتباهي حول هذا المحور، والمتمثلة في أمسية بعنوان الصحافة.. الصفحة الأخيرة.. قدمها الأستاذ عبدالله وافيه وأدارها الأستاذ سعد الأنصاري..
هذه الأمسية أعطت صورة أفقية فائقة الدقة عن التفاف الأجيال حول اهتمامات مشتركة بنفس الشغف والرغبة مع تعدد وجهات النظر التي لم يحكمها الجيل بل الفكر، فتجد الفكرة الواحدة يتبناها مجموعة من أجيال مختلفة، والعكس صحيح.
فعلى سبيل المثال العلاقة بالورق والتقنية تجد أن الانتماء للورق جمع مجموعة من مختلف الأجيال ارتباطاً بالورق بقيمته الثقافية والوجدانية مع الإيمان بقيمة التقنية وأهميتها ودورها المهم في خدمة الإنسان والوطن، وتسهيل حياة الناس وتسريع الإجراءات.
الحديث يطول
الشريك الأدبي فكرة إبداعية، والإبداع فكرة لمحت في عقل نابه، وتبناها مسؤول، ونفذتها وزارة منظمة نشيطة، وانطلقت برعاية وتوجيه ومتابعة من قيادة فذة معطاءة، ورؤية واعدة واعية، وتلقاها جمهور عرف قيمتها، وشعر بالامتنان تجاه من أخذ بيدها منذ أن كانت فكرة إلى أن أصبحت حقيقة، فكان لا بد من أن يكتب شكراً لله، وعرفاناً لقيادة، وفخراً بوطن. شكراً وزارة الثقافة. شكراً هيئة الأدب والنشر والترجمة. شكراً شريكنا الأدبي. شكراً لكل محطة تمثلت في مقهى أو موقع افتراضي أطل علينا من خلال هذه الشراكة.
والحديث يطول عن قيادة ورؤية جعلت الواقع مجتمعاً حيوياً، واقتصاداً مزدهراً، ووطناً طموحاً.
http://www.alriyadh.com/2057391]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]