في صيف عام 2020م أقيمت مباراة في الدوري الروسي الممتاز بين فريق روستوف وفريق سوتشي. ولكن اضطر فريق روستوف إلى اللعب بفريق الناشئين بسبب إصابة ستة من لاعبي الفريق الأول بفيروس كورونا وإخضاع بقية لاعبي الفريق الأول للحجر. كانت النتيجة قاسية حيث انتهت بفوز فريق سوتشي بعشرة أهداف مقابل هدف واحد فقط. ومع ذلك كانت المفاجأة بعد إطلاق الحكم صافرة النهاية أن رجل المباراة الذي وقع الاختيار عليه كان حارس فريق روستوف (دينيس بوبوف) والبالغ من العمر 17 عاماً فقط رغم أن شباكه تلقت عشرة أهداف. ولكن لماذا؟؟
في الواقع كان الأشخاص المسسؤولون عن اختيار رجل المباراة في كامل وعيهم ولم يعترض أحد على الاختيار حتى من الفريق الفائز. ورغم الخسارة الثقيلة إلا أن الحارس بوبوف قام بصد ركلة جزاء في الدقائق الأولى من المبارة واستطاع تسجيل إنجاز تاريخي مميز في مسيرة الدوري الروسي الممتاز حيث صار أكثر حارس مرمى يتصدى لتسديدات وضربات خلال مباراة واحدة حيث أنهى المبارة بخمسة عشر تصدياً ناجحاً!
ما شدني في هذه القصة ليس تألق الحارس الشاب بوبوف وحده، بل تألق الأشخاص الذين اختاروه لجائزة رجل المباراة. ففي الظروف العادية كانت الأنظار ستتجه للاعب من الفريق الفائز سجل أو ساهم بأكبر عدد من الأهداف. ولو كان الشخص الذي سيختار يعتمد على الأرقام والبيانات وحدها لكان استبعاد بوبوف من الترشيح شبه مؤكد. بيد أن السر كان في القدرة على قراءة الظروف والتحديات وتقدير الجهود بشكل صحيح. فلا شك أن تسجيل مهاجم لثلاثة أو أربعة أهداف شيء كبير، ولكن ما هو أكبر وأعظم أن تتصدى لخمسة عشر هدفاً وأنت حارس مرمى وزملاؤك في سن الناشئين ضد خصم يلعب بالفريق الأول في الدوري الممتاز. وهذا الجهد لا يلغيه ولوج عشرة أهداف لا يتحمل حارس المرمى وحده مسؤوليتها.
وفي عالم الإدارة نجد الكثير من المنظمات التي فيها "بوبوف" والذي يقاتل ويستبسل من أجل خدمة المنظمة ونجاحها وتحقيق أهدافها. ولكن للأسف الشديد فمصير "بوبوف" في كثير من الحالات ليس التكريم بل التحطيم والعقاب والاتهام بالتقاعس وربما يتم تحميله المسؤولية كاملة دون وازع أو ضمير أو ربما بسبب حاقدين أو حاسدين لا يتورعون عن اختلاق التهم بحقه.
وبالمقابل، فلو علم "بوبوف" أن وراءه قائداً أو قادة داعمين يقدرون جهوده ولا يسرقونها، ويمهدون دروب نجاحه ولا يعقدونها، لوجدته أكثر حماساً وعطاء وإنجازاً، وسيحفز الآخرين من حوله ليبدعوا ويتألقوا كفريق واحد متكامل ومتجانس.
وباختصار، عندما تتحقق الانتصارات الكبيرة لا تنخدع بأصحاب الأصوات العالية والحضور القوي أمام المسؤولين واللاهثين خلف الكاميرات، بل ابحث عن أولئك الجنود المجهولين الشجعان الزاهدين في تصدر المنصات والصور والذين تتحدث أفعالهم ويصنعون الأثر الإيجابي بصمت وصدق. احرص عليهم وادعمهم ومكنهم ودافع عنهم كما صنع الذين اختاروا "بوبوف"!




http://www.alriyadh.com/2058513]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]