لم يمضِ من عام 2024، سوى شهر واحد فقط، حتى تبين لنا بوضوح أن كل شيء في العالم مترابط ومتصل بشكل قوي جداً، فالاقتصاد العالمي، وسعر الفائدة، والبنوك المركزية، والأسواق، والجغرافيا السياسية، والذكاء الاصطناعي، والتقدم التكنولوجي، يؤثر بعضها في بعض بطرق مختلفة، وبروابط متماسكة أكثر من أي وقت مضى، وأحد الأمثلة الصارخة على ذلك، هو تأثير الصراعات الملتهبة في الشرق الأوسط على تكاليف تأمين شحن السفن، وتغيير شركات الشحن للممرات المائية المستقرة منذ أمد بعيد، الأمر الذي ينذر بمعاودة مستويات التضخم العالمي لارتفاعاتها مرة أخرى، ودفع البنوك المركزية إلى إبطاء خفض أسعار الفائدة المقررة هذا العام، وهذا الأمر سيؤدي إلى معاناة العديد من أسواق السلع والخدمات، ودخول النمو العالمي تلقائياً إلى منطقة الخطر.
أظهر العام الجديد، ونحن في شهره الثاني، أنه عام مليء بكل الاحتمالات المترابطة، الجيدة والسيئة على حد سواء، بدءاً من التطورات المرتقبة للذكاء الاصطناعي، والتي تبشر بسوق صاعدة جديدة وعصر ذهبي للإنتاجية، وانتهاءً بشطب 300 مليون وظيفة في ظل عدم جاهزية أسواق العمل لهذه التكنولوجيا المفرطة، وإذا كان العالم قد أصبح أكثر استقطابا وانقساماً خلال العامين الماضيين، إلا أن ما شاهدناه طوال الشهر الأول من عام 2024 يثير الشكوك حول مدى صحة الاقتصاد العالمي، وآفاقه المستقبلية في ضوء الطبيعة المترابطة للعوامل الايدلوجية، والتكنولوجية، والمخاطر الجيوسياسية، وانتشار حرب البيانات المفبركة، ولهذا، يبدو السؤال منطقياً حول نتائج التفاعل الحاصل بين النمو العالمي وهذه التطورات الدراماتيكية بامتياز.
قبل أيام، توقع صندوق النقد الدولي أن يحقق الاقتصاد العالمي نسبة نمو تبلغ 3.1 % في 2024، وهذا يعني أن آفاق نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي المتوقعة باهته وهشة، مقارنة بـ3.5 % خلال عام 2022، وهذا النمو المتوقع للعام الجاري يعد أقل من متوسط ​​السنوات العشر الماضية، وعلى سبيل المثال، فإنه من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة، تباطؤاً في النمو، من 2.5 % في عام 2023، إلى 2.2 % في عام 2024، بينما من المتوقع استمرار انحدار النمو في أوروبا عند 0.9 % في عام 2024، أما الصين فتواجه تباطؤاً في النمو مع تعمق أزمة قطاع العقارات، وربما تتفوق عليها الهند، إذا استمر اتجاه التصنيع والاستثمار الأجنبي بعيداً عن الصين، ونعتقد أن هناك شكوكاً حقيقية إزاء قدرة الاقتصادات المختلفة على تحقيق نسب النمو المستهدفة، مع الارتفاعات المرتقبة في أسعار الغذاء والوقود.
من المرجح الآن، أن يسقط النمو العالمي في مستنقع التباطؤ خلال الربع الأول من العام الجاري، وهذا ما ستعكسه البيانات الاقتصادية في حينها، وخاصة في ظل استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، والحرب الصهيونية المدمرة على قطاع غزة، والضربات التي يشنها الحوثيون على سفن الحاويات في البحر الأحمر، والردود الانتقامية الأمريكية، مما سيعرقل طرق الشحن البحري لفترات أطول، بالإضافة للأوضاع الساخنة في العراق، حيث تستهدف الفصائل العراقية المسلحة بشكل شبه يومي القواعد الأميركية، والردود الانتقامية الأميركية على الفصائل العراقية، وربما لا تهدأ هذه التوترات قريباً، بل على العكس، إذ أنه من المحتمل اندلاع المزيد من الشرارات الجيوسياسية، وأقرب مثال هو الصين وتايوان، ولا شك، أن هذه الصراعات الجيوسياسية تعتبر الخطر الأكبر في عام 2024، والأمر يتطلب ضرورة احتواء هذه الأزمات المتفاقمة، واتخاذ مواقف متنوعة وذكية، من أجل الحفاظ على ما تبقى من النمو.




http://www.alriyadh.com/2058492]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]