توجد نوعية من المديرين في القطاعين العام والخاص تعمل على تطفيش الموظف بسحب صلاحياته وتفريغه من مهام عمله وتهميشه، وإحراجه أمام زملائه، وشخصنة خلافات العمل معه، لإجباره على الخطـــأ أو القيــــــام بما يبرر التصــــرفات السلبيـــة تجاهه..
كشفت إحصاءات سوق العمل في المملكة، الصادرة عن هيئة الإحصاء السعودية، والمنشورة في الحادي عشر من فبراير الجاري، أنه وخلال العشرة أشهر الماضية، تقدم قرابة 152 ألف سعودي من الجنسين بالاستقالة من وظائفهم في القطاع الخاص، وفي عام 2022 قدم ما يزيد على 89 ألفاً استقالتهم، وبزيادة وصلت إلى 63 ألف استقالة في عامين، وهذه الأرقام غير مريحة، وقد حاولت البحث عن الأسباب المباشرة، ووجدت أنها نتيجة لبيئات العمل السامة في أماكن عملهم، ومعها التسلط الإداري والمحاباة والفساد الإدراي، والملف يدخل ضمن مسؤوليات وزارة الموارد البشرية بالدرجة الأولى، والتي تتعامل معه بموجب نظام العمل وضوابطه، وهذا النظام، في معظم مواده، يخدم صاحب العمل أكثر من موظفيه.
علماء النفس في أميركا أوضحوا في واحدة من دراستهم، أن 94 % من الأميركيين عملوا مع مديرين أثروا عليهم بشكل سلبي في بيئة العمل، وتمثل ذلك في القيام دورياً بالتنمر عليهم وظيفياً وإهانتهم وتهديدهم والتحـرش بهم، وفي 2017 صدر تقرير عن معهــــد (غالوب)، جاء فيه أن 79 مليون أميركي استقالوا من وظائفهم، بسبب المدير السيئ، وأتصـــور أنها أمور مشتــركة بين القطاعين العام والخاص في أميركا وفي المملكة، وبحسب مركز إحصاءات الصحة الأميركي فإن زيادة معدلات الانتحار وبالأخص في الفئة العمرية ما بيــن 45 و64 عـــاماً، تعـــــــود لزيادة القلق والتوتر المرتبط بالعمــل والأمور المادية، بخلاف استفحال الطبقية الوظيفية في أميركا، ولحـــــــــد وصول راتب مديري الشركات إلى 347 ضعف راتب العامل الأميركي في 2016، ويوجد في اليابان أكثر من نصف مليون شخص يعرفون بـ(الهيكي كوموري)، وهؤلاء قاموا بعزل أنفسهم عن الناس، بفعل ما واجهوه من معاناة وخذلان في العمل.
الأهم المقابلة التي نشرتها (بزنس انسايدر) عام 2017، فقد ذكر فيها الملياردير (راي داليو)، وهو مؤسس صنـــــدوق التحوط (بريج ووتر اسوسيتس)، أنه يعمل على نظام ذكاء اصطناعي، سيتم تشغيله في 2020 لمساعدته على اتخاذ قـــــرارات إدارية فيما يتعلق بالتعيين والاستغناء عن الخدمات، والمرجح أنه يعمل في هذه الأيام، وفي 2015 أعلنت مجموعة من الباحثين في معهد (سيلكون فالي) عن تطويرهم لبرنامج يستهدف استبدال المديرين التنفيذين في الشركات، وأتمنى تطبيقه على الإدارات التنفيـــذية في الهيئات والشـــــركات بالمملكة، بعد أن تحولت لموضة إدارية أفرغت من معناها، فالآلة لا تجامل في أحقية المدير التنفيذي المؤتمت، وفي تحــــديد الأعمـــال التي تستحق وجوده، بجانب توفيرها على الدولة وخدمتها للحوكمة المالية.
حتى لا نطيل، وندعـــم الكلام الأول بالدليل، هناك المادة 77 في نظام العمل الجديد، والتي كانت معظم استقــــالات عامي 2022 و2023 بموجبها، وفيها إلزام لمن استقالوا بتعويض صاحب العمل بـ15 يوماً من الراتب عن كل عام خدموا فيه، وإعطـــاء (راعي الحلال) راتب شهرين كدفعة أولى، والموظف سيخسر كامل حقوقه ولن يستفيد إطلاقاً، وفي هذا إجحاف وتعسف واضح، إلا إذا كان بغرض الانتقال لوظيفة أفضل، وقد أبلغني أحدهم أنها جاءت للتعمية على التوطين الوهمي، لأن المستقيلين لم يحضروا إلا على الورق، وهم مجرد مخالفين للأنظمة، وجرى الاستغناء الشكلي عنهم بـ(الاستقالة) حتى لا يقبض عليهم، وأقبل بأن ما سبق يخص البعض وليس الكل.
في المقابل، بعض من يترك العمل قد يبحث عن إقامة مشروعه الشخصي، ولا يعرف أنه في أميركا منجم المشاريع الواعدة، لا ينجح إلا واحد من كل عشرة أشخاص، وفي دراسة أجريت في بداية الألفية الحالية ولمدة أربعة أعوام، بمعرفة المرصد العالمي لريادة الأعمال، وشملت 44 دولة، وجد أن نسبة المواطنين في سن العمل، وتحديداً من يقومون بتأسيس مشـروعات جديدة يزيدون بمقـــــدار الضعف في الدول الفقيــــرة مقارنة بأعدادهم في الولايات المتحدة، والسبب يرجع إلى ارتفاع معدلات البطالة وانحفاض الأجور فيها، بينمـــا تصـل حصة الموظف الأمـيركي من النـاتج المحــلي الإجمـالي لـدولته وفـق أرقـام 2020 لنحو 360 ألف دولار سنوياً في المتوسط، ما يعني أن الجزء الأكبر من الأميركيين يعملون برواتب كافيــــــة، ولا يحتاجون إلى الدخول في مغامرات اقتصادية غير محسوبة.
توجد نوعية من المديرين في القطاعين العام والخاص تعمل على تطفيش الموظف بسحب صلاحياته وتفريغه من مهام عمله وتهميشه، وإحراجه أمام زملائه، وشخصنة خلافات العمل معه، لإجباره على الخطـــأ أو القيــــــام بما يبرر التصــــرفات السلبيـــة تجاهه، والصراعات الإدارية السابقة تكلف الاقتصاد الأميركي أكثر من 359 مليار دولار سنوياً، وتؤدي إلى انحدار في الولاء التنظيمي والإنتاجية وتفاقم تعثر المشاريع، بالنظر إلى أنها تأخذ في المتوسط ساعتيـــــن من وقت العمـــل كل أسبـــــوع، والرقم يرتفع إلى ثلاث ساعات في إيرلندا وألمانيا، وأعتقد أنه يصل لرقم قياسي في المملكة لا يقل عن 10 ساعات في الأسبوع، ما يعني أنه يكلف الاقتصاد الوطني في حدود الترليون دولار.
http://www.alriyadh.com/2060064]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]