الضحك في الكوميديا هو عمليه عقلية، إذ إن العاطفة تتنحى جانباً، ويبدأ العقل في اليقظة، ليقارن ويحرك خيوط الدمى مشاركاً اللعب الأساسي في عمله، فإن انحرف اللاعب في فعل معاكس غير متوقع حدث الضحك لفجائية الحدث أو الحركة أو الفعل نفسه المعاكس للتوقع وهو ما يسمى بـ«كوميديا الانعكاس»..
إذا كان الضحك سلوكا فطريا، فإن لنا أن نتساءل عمّ هو الضحك؟ وما هي وظيفته؟ وما هي آليته؟ ثم كيف أن هناك فرقا كبيرا بين الضحك وبين الكوميديا، ذلك أن للضحك آليته المستفيضة الطبيعية والفطرية والبيولوجية. أما الكوميديا فلها شأن آخر في آليتها وصناعتها، وحرفيتها، لكنهما يؤديان في نهاية المطاف إلى وظيفة الضحك التي تتواءم مع ما هو بيولوجي وما هو عقلي واعٍ يشتغل ويعمل في ديناميكية حية ومشاركة للفعل الدرامي!
فإذا ما تطرقنا للضحك كغريزة تعتمل بيولوجيا لدى الإنسان دون غيره من الكائنات وإذا ما فعل الحيوان فعلا إنسانيا فإننا نضحك منه كونه متناقضا مع الفعل الإنساني.
أما الشكل الفيزيقي للإنسان حين يضحك فنرى أن عضلات الوجه تنشد إلى الجانبين وتتسع الأشداق مع فتح الفم، هذا هو النمط الخارجي العضلي لشكل الضاحك الذي رده الفلاسفة في عمقه الفلسفي بأنه قادم من عمق الانتصار، إذ إن الحيوان حين يتمكن من فريسته يفتح فمه واسع الأشداق منتصرا بما حققه من انتصار، كما أن بعض الفلاسفة قد ردوها إلى الإحساس باللذة، متمثلا في فتح الرضيع فمه لحظة الرضاعة. ومن هنا تأتي وظيفة الضحك، فالإنسان دائما يسعى إلى غريزة الانتصار حينها يشعر باللذة والزهو. أما من حيث الديناميكية البيولوجية فهي اعتمال تلك التفاعلات الكيميائية في منطقة معينة في الدماغ (الأميجدالا) وهو ذلك الفص الرابض في مقدمة الرأس المحاط بغلالات عصبية تتخذ مدخلاتها من الحواس الخمس والتي تفرز مادة (الدوبامين) وهو ما أقره علماء المخ والأعصاب والطب النفسي، أما الفلاسفة المسلمون فقد ردوه إلى ما أسموه (المتخيلة) في مقدمة الرأس المتغذية بالحواس الخمس.
كما أن للضحك فوائد أخرى من لذة الانتصار وتنظيم الضغط وتقوية القلب وما إلى ذلك مما ذكره المتخصصون في هذا الشأن. والضحك في الكوميديا هو عمليه عقلية، إذ إن العاطفة تتنحى جانبا، ويبدأ العقل في اليقظة، ليقارن ويحرك خيوط الدمي مشاركا اللعب الأساسي في عمله، فإن انحرف اللاعب في فعل معاكس غير متوقع حدث الضحك لفجائية الحدث أو الحركة أو الفعل نفسه المعاكس للتوقع وهو ما يسمى بـ(كوميديا الانعكاس).
ذلك أن للكوميديا شأنا آخر لاستدرار الضحك، فلها فلسفتها وأيضا آلياتها مما يجعل المشاهدين يضحكون، فإن من أولويات هذا الشأن هي العدوى، فالضحك معدٍ، إذ إن الإنسان يندر أن يضحك وحيدا منفردا وإلا وصم بالجنون! ولذلك فكلما اتسعت صالة العرض وازدحمت بالمشاهدين زاد الضحك وانتشر بينهم، ولذلك نجد أن بعض المخرجين يضعون أحد الممثلين خفية بين المشاهدين ليضحك فيعدي من حوله وتتسع دائرة الضحك حتى تعم الصالة كلها.
وهذا يسوقنا إلى أن الضحك هو وظيفة عقلية مشاركة في عملية الفعل الدرامي إذ إن الشخصية في الكوميديا هي أشبه بدمى العرائس، شخصيات مسطحة نمطية ومن هنا نكون نحن أحد محركي خيوط هذه الدمية.
كما أن هناك نوعا من الكوميديا المبني على التكرار سواء في الحركة أو النمط أو اللفظ، هذا التكرار هو ما يولد الضحك "إننا نحرز أن الخدع المعتادة في الكوميديا، والتكرار الدوري لكلمة أو لمشهد والقلب التناظري للأدوار، وتطور حالات اللبس الهندسية، والكثير من الألعاب الأخرى، كلها يمكن أن تشتق قوتها الهزلية من نفس المصدر وهو فن المهرج الذي ربما يقوم على تحريك يبدو ميكانيكيا".
كما أن هناك أيضا كوميديا اللعب على (العيب الهازل) إذ إن تكون الشخصية تحمل عيبا خِلْقيا تلعب عليه، فيحيلنا من عدم التعاطف معه إلى الضحك معك، فنحن لا نضحك عليه وعلى عيبه الخِلْقي بقدر ما نضحك معه، لأننا كما أسلفنا نشارك في تحريك خيوط اللعبة، فالشخصية نمطية مسطحة في الكوميديا على خلاف الشخصية التراجيدية التي تجعلنا نتعاطف مع البطل وعلى فعل يوقعه في المأساة، والتي تؤدي في النهاية إلى التطهير، نتاج تلك الجرعة الكبيرة من الخوف والشفقة، وهنا يكمن الاختلاف بأن وظيفة التراجيديا هي التطهير، أما وظيفة الكوميديا فهي لذة الانتصار والتنفيس عن طريق الجهد العقلي عن طريق المقارنة فيما بين الواقعي وغير الواقعي.
فاللاعب الكوميدي -ونقول عنه اللاعب وليس الممثل- لأنه يلعب الشخصية ولا يدخل في إيهاب شخصية أخرى، إننا متيقنون أنه الشخص ذاته وليس الشخصية فنلعب معه ونضحك معه لأننا نعرفه هو قبل عملية الدخول في اللعبة، ونعمل معه على تلك المقارنة فيما يفعله كشخص وبين الشخصية. فإن اللاعب صاحب العيب الهزلي الذي نضحك معه على عيبه يستخدم هذا العيب الهازل ويركز عليه "فتبقى الشخصية المركزية، اللا مرئية والحاضرة، التي تتعلق بها شخصيات اللحم والعظم، وقد يعبث أحيانا فيقودها بثقله، ويدحرجها معه، على طول المنحدر، ولكنه في أغلب الأحيان يتلاعب بها كما لو كانت آلة، أو يناور بها كما لو كانت دمى بشرية الصورة، فهو دائما يذكرنا بهذا العيب ويحرص على إدخالنا نحن المشاهدين في حميمية اللعبة المتفق عليها ضمنيا، إلى درجة أننا نأخذ بعض خيوط الدمية التي يلعبها؛ ونلعب أيضا بدورنا، إن قسما من لذتنا يأتي من هذا".
وهناك أيضا (كوميديا التناقض) وهي تناقض الشخصية مع ما تفعله ومع تكوينها، وعلى سبيل المثال حينما نرى حاكما مهيبا يهذي بكلمات لا تتفق مع شخصيته، أو أنه قيل عنه صفات القوة والمنعة والهيبة والطول والحكمة قبل دخوله، ثم نجده يدخل قزما ضعيف البنية يهذي بكلمات لا تليق بمقامه مما يسوقنا للضحك، فالعاطفة هنا متنحية والعقل هو ما يعمل عمل المقارنة.
وفي النهاية فإن الضحك مطلب فرد واجتماعي وخصوصا حين يتعرض المجتمع لأزمات مادية، لذلك تنتشر فيه الكوميديا، ونأخذها على محمل الجد لتحليل ما يحل بذلك المجتمع من أزمات، كما أن الكوميديا والضحك حافزان للتفكير حيث يكون العقل في حالة نشاط قوية، فاللغة وأسلوب المعالجة ومضمون الأفكار تقتضي ذلك والأمر برمته لا يكون مجرد تسلية.
http://www.alriyadh.com/2070808]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]