لا تزال وزارة الثقافة تحاول جاهدة من خلال برامجها واستراتيجياتها سد الفجوة (المعضلة) بين طبقة المثقفين (النخبة) والمجتمع بشكل عام مع تنوع اهتماماته وشؤونه، ولعل برنامج الشريك الأدبي الذي يحيا عامه الثالث قد نجح بشكل كبير في تحويل الفعل الإبداعي من فعل نخبوي إلى نشاط مجتمعي ثري ومتنوغ، وهذا أهم وأجمل عناوينه على الإطلاق إذ إن تعدد المقاهي الشريكة وتوزعها على خارطة المملكة الشاسعة أتاح لعدد كبير من المبدعين فرصة الحضور والوجود بعيدًا عن تكلّف المكان والمواسم الذي تكفّلت به المؤسسات الثقافية المحدودة والمحفوفة دائماً بإشكالات وبيروقراطيات أعاقت بصورة أو بأخرى حضور عدد من المبدعين الذين يتلمّسون الضوء في عيون جماهيرهم وقرّائهم، ولعلها بذلك استعادت بصورة واقعية كل ذلك الحضور الافتراضي العام الذي قامت به المنتديات الأدبية عبر مواقع الإنترنت مع بداية الألفية، والحقيقة أن برامج مثل برنامج الشريك الأدبي بكل ما يحظى به من دعم لوجستي ومادي سيخلق حتماً نهضة إبداعية مميزة على غرار ما قامت به مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية خلال العقدين السابقين فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نغفل دور مواقع التواصل الاجتماعي في خلق حالات إبداعية تفاعلية متنوعة تتكيّف دائماً مع طبيعة الموقع التواصلي.. ففي زمنٍ ما كانت المنتديات الأدبية على شبكة الإنترنت أرضًا خصبةً لما يمكن أن نطلق عليه عملية التعالق بين النصوص وتشكيل محضن مهم لعدد من التجارب الإبداعية التي تنمو وتتخلّق داخل أروقة تلك المنتديات من خلال العملية التفاعلية وتحظى برعاية تراتبيّة على مستوى التجارب والحضور، وقد بدتْ مهمة ومثمرة في أول الأمر لكنها تحوّلت فيما بعد إلى إخوانيات وشلليات جاءت دائماً على حساب العملية الإبداعية جرّاء كثرة المنتديات الأدبية وجرّها إلى حضور (افتراضي) لا يلقي بالاً للإبداع الحقيقي ولا يحتفي به مقارنة باحتفائه بالإخوانيات وعبارات الثناء المعلّبة والحضور الإعلامي وبناء علاقات متنوعة الغايات، ولهذا كله سقطت المنتديات وفقدت قيمتها كرحم تتخلق فيه التجارب وتنطلق منه إلى عالم الحضور الورقي، وربما لهذا السبب جاء الحضور الطباعي المولود من رحم الإنترنت في الحقبة الأخيرة نيئاً غالبًا مقارنة بما كان الأمر عليه قبل سنوات عدة حينما كانت تلك المنتديات تهيئ مبدعيها بطريقة جادة للحضور الطباعي من خلالها.. ولأن المنتديات الإلكترونية استنسخت التجربة الورقية من حيث الرقابة والسلطة لم تدمْ طويلاً وجاءت مواقع تواصل أخرى أكثر حريّة واستقلالية وأهمها صفحات الفيس بوك ومنصة X، وإذا كانت صفحات الفيس بوك أشبه بموقع شخصي تفاعلي فإن موقع X أكثر تأثيراً وازدحاماً نتيجة اتكائه على نص اللحظة القصير والمشفّر دائمًا، ومع هذا تميز المتابعون فيه بنوعيّة تلقيهم للتغريدات كلٌ بحسب أفقه.. منها مناقشة المحتوى وتوليد رؤى جديدة منه، وهي عملية تفاعلية بإمكانها أن تولّد نصوصًا جديدة من رحم تلك التغريدة، ومنها ما هو أكثر من ذلك كالربط بين الرؤيا والرؤية في التغريدة من خلال مزجها بصورة تجمع بين جديلتي البصيرة والبصر، والحقيقة أن كثيراً من مبدعي الفوتوشوب على موقع تويتر أجادوا كثيراً في هذا الجانب للحد الذي يمكننا التنبؤ بعدد من الإصدارات المشتركة (رؤيا ورؤية) بين عدد من المغرّدين المبدعين ومتابعيهم، وفي هذا استثمار إبداعي مهم ونوعي لكل هذا الحضور الإلكتروني الكثيف على أشجار هذا الفضاء المفتوح..! لهذا آمل أن يستفيد برنامج الشريك الأدبي من ذلك الزخم الإبداعي الإلكتروني بصورة واقعية وأن يجعل نشاطه خالصاً لوجه الإبداع بعيداً عن السقوط في فخ الشلليات والمجاملات، وأن يحقق بذلك أهدافه الرئيسة، التي تجعل من الثقافة فعلاً مجتمعياً ومن الإبداع حضوراً نوعياً يساهم في نهضتنا الثقافية الوطنية الشاملة.
إبراهيم الوافي
http://www.alriyadh.com/2070954]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]