جمع الهياط بين شاعرين؛ شاعر معاصر وشاعر جاهلي. وأنعم بهذا الهياط الذي جمع بين علمين من أعلام الشعر العربي فصيحه وشعبيه. لا أدري ما هذا التوسع والهدر الاجتماعي واللغوي في استخدام كلمة «هياط» التي بدأنا نسمعها ونقرؤها لمجرد أن هناك تصرفاً أو بيتاً لم يأت على هوانا ووفق ميولنا وثقافتنا الشخصية وليست الاجتماعية.
الهياط لم تعد كلمة مرتبطة بجذر وتدل على معنى أو معانٍ لغوية، فقد دخلت قاموس مصطلحات علم الاجتماع منذ أن أصبحت متداولة اجتماعياً، وتحمل معنى يحيل إلى وصم اجتماعي، وتحتاج إلى تحليل وفق سياقاتها المختلفة، وهذا يحتاج إلى بعض الوقت، وبطبيعة الحال فارتباطها بعلم الاجتماع يعني أنها أصبحت تخضع للنظرية التداولية، ووفق هذا يمكن تحليل معناها ودلالاتها. لنبدأ مع عمر بن كلثوم والذي وقع في فخ الهياط حسب قول المتحدث في مقطع منشور على منصة أكس من خلال بيته الشهير: ألا لا يجهلنّ أحدٌ علينا... فنجهل فوق جهل الجاهلينا.
ولم يسلم عمر بن كلثوم من وصمة من قبل المتحدث بـ»أكذب شاعر عرفته العربية»!
عمر بن كلثوم ليس بحاجة أن ندافع عنه ولا عن مكانته الشعرية والبطولية، ولكن المستغرب هو الأسلوب النقدي المطروح في هذا النقد، والألفاظ المستخدمة، والضحك المتبادل بين الضيف والمضيف، واللغة الازدرائية للذات والتاريخ العربي من خلال المقارنة بين قوة أمريكا وحلف الناتو، والمنجز العربي المرتبط بالقبيلة العربية.
نحن نعلم أو ربما أغلبنا يعلم بتمجيد الغرب لأدبائهم وفلاسفتهم برغم ما اشتهر به بعضهم من سلوكيات غير سوية وصفات مقيتة، ولكنهم يتجاوزونها إلى ذكر وإشهار ما يميزهم من حس أدبي وملكة ونبوغ فلسفي أو معرفي أو علمي.
أما عمر بن كلثوم سيد قومه وفارس العرب، وصاحب القصة الشهيرة في الدفاع عن والدته فلم يرق لبعضنا فوصفه بـ»الهياطية الجاهلية، وأكذب شاعر عرفته العربية»!
وحتى نكون منصفين فصاحب المقولة لم يعهد عليه الانتقاص أو التقليل من أي منجز أدبي عربي فيما أعلم، وهو المعتد بلغته وعروبته، ولعل ما قاله رأي لم يحالفه التوفيق فيه.
وإلى ابن حمري الذي لم يسلم من وصمه بالمهايطي من قبل آخرين، وإذا نظرنا إلى حال ابن حمري وما يقوم به فلا نجد إلا رجلاً يرتفع صوته بعرض العزيمة على ضيوفه، والثناء على بعض جماعته ورفاقه وأقاربه ممن كان لهم مواقف مشرفة معه أو مع غيره، ولم نشاهده يستعرض بطعام زائد أو مال أو جاه خارج عن الدين والعرف.
والمؤكد أن الهياط أصبح مصطلحاً يحمل معناً ازدرائياً، ومسقطاً للشخصية الموصومة بالهياط، ولم يعد يرتبط بمعناه اللغوي، وأن التوسع في توزيع المصطلح أصبح فكرة للتندر ولإسقاط البعض.
ونختم بقولنا: إن الهياط مصطلح يحتاج من الآن إلى ترشيد، ورشد في الاستخدام لا أن يطلق كيفما اتفق، فالهياط الذي يعني المبالغة الخارجة عن المألوف في كل شيء أو التصرفات الرعناء -مع الاعتذار على الكلمة- بدافع لفت الانتباه والمفاخرة في غير مكانها؛ موجود في تصرفات وكتابات وكلام البعض، ولكن جعل كل تصرف أو قول لا يتفق مع ثقافتنا وذائقتنا ومنظورنا هياطاً، فهنا مشكلة أكبر من الهياط نفسه.




http://www.alriyadh.com/2073313]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]