حرب غزة بهذه الصورة التي تمت بها وبهذه النتائج التي وصلت إليها غيّرت قواعد اللعبة، وقد تكون الحرب الأخيرة لإسرائيل التي تجري في الداخل الفلسطيني، لأن حروب إسرائيل القادمة وفقًا لمناوشاتها الأخيرة مع دول ومنظمات وجماعات في المنطقة قد تكون خارج حدودها، وهذا ما يفرض الخيار الوحيد بأن على إسرائيل أن تخضع للسلام وتبادر لمناقشة فكرة دولة فلسطينية، وهو الخيار المتاح لاستقرار المنطقة..
في محاضرة للدكتور جون ميرشايمر -وهو احد اقطاب الواقعية السياسية في أميركا- تحدث عن نتائج حرب غزة واثرها على إسرائيل، وقد تساءل بشكل مباشر لماذا تعود إسرائيل الى غزة بعد ان خرجت منها في العام 2005م، في زمن شارون وهو العسكري الإسرائيلي الشرس والعنيف وله تاريخ لا يمكن انكاره ضد الفلسطينيين، ومع ذلك خرج من غزة، وهنا يقول الدكتور مير شايمر إن إسرائيل هي الخاسر الوحيد بعودتها الى غزة، وهي تواجه أزمة الخروج من غزة، فليس هنك حلول بعد هذه الحرب يمكنها ان تعيد الارض الى ما كانت عليه، وملخص هذه المحاضرة ان إسرائيل امام أزمة فعلية في كيفية الخروج من غزة وفي كيفية ادارتها بعد توقف الحرب.
الاعتماد المتزايد من قبل إسرائيل على أميركا في أزمة غزة كان لافتا للنظر وطرح قضية تراجع إسرائيل الكبير في معاييرها للدفاع عن نفسها بدون مساعدة الآخرين، هذه القضية ساهمت في تموضع مختلف للقضية الفلسطينية في الداخل الأميركي الذي شهد انقسامات بين كبار السياسيين بجانب احتجاجات طلابية ضد السلوك الإسرائيلي، وهذا أدى بالتأكيد الى تغيير في الفضاء السياسي الدولي الذي عبر عن هذه الحالة بمزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية.
الاسئلة الحيوية تدور حول الحلول التي تملكها إسرائيل او يمكلها العالم من اجل غزة التي يبلغ عدد سكانها ما يقارب المليوني نسمة، إسرائيل بوجود جيشها في قطاع غزة هي المسؤولة عن القطاع بأكمله، وعن هذا العدد الهائل من السكان الذين اصبحوا محصورين في مساحة صغيرة من الارض تم تدمير معظمها او كلها تقريبا، سكان غزة لن يخرجوا منها فهي وطنهم، ولكن السؤال الذي يواجهه العالم: كيف ستعيش هذه الاعداد الهائلة وكيف ستدير إسرائيل هذه الاعداد؟
مهما كانت صورة الانتصار الإسرائيلي تحاول ان تجعلها المشهد الاخير في هذه الحرب، الا ان القضية تتمحور حول نقطة محددة: من سيدير غزة وكيف ومن سيعيد اعمارها من جديد؟، أميركا وإسرائيل لا يملكون النية الكاملة ولا القدرة على إعادة إعمار غزة بالطريقة التي يتحدثون بها هم والإعلام العالمي، السؤال الآخر يدور حول الفكرة التي قامت من اجلها الحرب هل تحققت؟ وكيف ستتحقق؟ ومن سوف يقدم الضمانات الكاملة ويعلن نهايتها بينما الارض في غزة تم تدميرها وقتل عدد كبير من المدنيين؟
يوم الجمعة الماضي قدم البيت الأبيض مقترحا يرى فيه الرئيس بايدن "أن منظمة حماس قد تدهورت لدرجة أنها لم تعد قادرة على تنفيذ هجوم مثل الهجوم الذي بدأ الحرب في السابع من أكتوبر الماضي، وحث جميع الأطراف على اغتنام ما أسماه "لحظة حاسمة"، هذا التوجه سيكون مناسبا لإيقاف الحرب ولكنه بالتأكيد لن يقدم حلولا جذرية ومستقبلية يمكنها ان تساهم في استقرار ما يقارب من مليوني فلسطيني تحتضنهم غزة، الحل الأميركي يفترض ان يتشارك الإسرائيليون والفلسطينيون والبلدان العربية والمجتمع الدولي الأوسع نطاقا في عملية إعادة بناء غزة.
إسرائيل التي تطلب وقف النار وإعادة المختطفين ادركت أن قواعد القضية وأدواتها اصبحت معقدة بالنسبة لها اقليميا ودوليا، فالضرر الذي اصاب السمعة الإسرائيلية دوليا هو اكبر بكثير من اي مكاسب لهذه الحرب، ثم ان السيطرة على غزة بوجود الجيس الإسرائيلي سيكون بكلفة عالية، ولن يكون من السهل ان تقبل إسرائيل اي شكل لإدارة غزة يأتي من الخارج سواء اقليميا او دوليا، فالعرب بشكل خاصة قد تعلموا الدرس ولن يمنحوا الا بقدر ما يأخذون وليس هناك سوى فكرة واحدة يحملها العرب من اجل القضية هي حل الدولتين.
الحلول معقدة كما تحدث عنها الرئيس الأميركي السابق أوباما الذي قال: "إن هذه المبادرة التي قدمها البيت الابيض لن تحل الصراع طويل الأمد بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولن تجيب على القضايا الخلافية المحيطة بحل الدولتين أو استمرار نشاط المستوطنين في الضفة الغربية، لكن ما يمكنها فعله هو وضع حد لإراقة الدماء المستمرة، ومساعدة العائلات على لم شملها والسماح بزيادة المساعدات الإنسانية لمساعدة اليائسين والجوعى".
النتائج التي انتهت إليها حرب غزة اليوم لا تشبه أياً من المبررات التي ساقتها إسرائيل، والمؤكد أن حرب غزة بهذه الصورة التي تمت بها وبهذه النتائج التي وصلت إليها غيّرت قواعد اللعبة وقد تكون الحرب الأخيرة لإسرائيل التي تجري في الداخل الفلسطيني، لانه من المؤكد ان حروب إسرائيل القادمة وفقا لمناوشاتها الاخيرة مع دول ومنظمات وجماعات في المنطقة قد تكون خارج حدودها، وهذا ما يفرض الخيار الوحيد بأن على إسرائيل ان تخضع للسلام وتبادر لمناقشة فكرة دولة فلسطينية، وهو الخيار المتاح لاستقرار المنطقة.




http://www.alriyadh.com/2078362]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]