بلادنا الحبيبة أشبه ما تكون بقطعة القماش، من حيث رمزيتها، ومكانتها، وقيمتها، فهي ستر للمسلمين في شتى بقاع الأرض، تستر عوراتهم، وتقيل عثراتهم، وتداوي جراحهم، وتعينهم على نوائب الدهر. تقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم..
هذه القطعة قد تكون لحافاً يتدثر به المرء، أو ثوباً يلبسه، أو عمامة تعلو رأسه، أو حجاباً لامرأة عفيفة، أو لباس إغراء، وقد يكون كفناً لجسد سيوارى التراب في نهاية المطاف.
وقد تكون قطعة القماش هذه راية في حرب، أو علماً لدولة، فهي رمز يفتدى بالأرواح، ويحرس بالمهج.
فقطعة القماش قيمتها حسب الموضع الذي تستعمل له، بغض النظر عن ثمنها، إذ قد تكون حريراً خالصاً يساوي أغلى الأثمان، وقد تكون من أرخصها ثمناً لكن قيمتها إذ وضعت رمزاً لا تقدر بثمن!
وحين تكون قطعة القماش ستراً وحجاباً للعفة ورمزاً للدولة وراية في الحرب سيسعى كل الأعداء لمحاربتها بطرقهم المختلفة، فغايتهم إسقاطها، من تشويه لها ومحاولة إسقاطها، إذ متى سقطت الراية فمعناها هزيمة الجيش، ومتى سقط العلم فهو سقوط الدولة، ومتى نزع الحجاب فهو عنوان هتك العفة، وهكذا.
ما مضى من مقالي هذا أردت منه المثال، وإنما الحديث عن الرمزية في قطعة القماش، والفرق بين القيمة والثمن، وأن الخصم يحرص دوماً على التركيز على القيمة، وعادة ما يقدر قيمتها ما ترمز إليه، وهو المراد الأهم للخصم والعدو اللدود.
وبلادنا الحبيبة أشبه ما تكون بقطعة القماش، من حيث رمزيتها، ومكانتها، وقيمتها، فهي ستر للمسلمين في شتى بقاع الأرض، تستر عوراتهم، وتقيل عثراتهم، وتداوي جراحهم، وتعينهم على نوائب الدهر. تقري الضيف، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم.
وهي أيضاً رايتهم التي تنافح عنهم في المحافل الدولية، سياسية، واجتماعية، واقتصادية، وحدث ولا حرج عن مواقفها عبر الزمان، مهما تغير القائد منها، فلا تغيير في ثباتها، ولا مبادئها، ولا أهدافها السامية للرفعة والسؤدد، مع موازنة عجيبة بين الثابت والمتغير.
ومن كان في مثل قامتها، وأهميتها، ورمزيتها، فلا جرم أن توجه لها سهام التشكيك، والتخوين، والسعي الذي لا يكل من الحاقدين، والحاسدين، والمتربصين، وما أكثرهم!
وما الشنشنة التي تحاول الصيد في أنقى المياه وأطهرها بغريبة، مثل ما يحاول بعض المنتسبين للفقه والدعوة أن يجرموا القيادة الحكيمة باشتراطها التصريح للحج شرطاً لاستقبال الحاج في المشاعر، حتى قال أحدهم: إن التصريح ليس شرطاً من شروط الحج، وأفتى آخر بجواز التحايل عليه بأي طريقة، محتجين بعموم الأدلة التي لم يفقهوا مقاصدها.
ولا شك أن الحج فريضة، وأن التسهيل له وتعبيد طرقه واجب، وهذا ما لا يمكن لأحد أن يزايد فيه، فمشاريع الحج والعمرة والزيارة بارزة للعيان، لا يجحدها إلا مكابر كنود.
ولكن ما يتجاهله المغرضون أن الزمان ليس الزمان، وأن المتغيرات أوجبت تغييراً في الشروط والواجبات، وقبل التصريح للحج من قبل السلطات السعودية يجب على مريد الحج من خارجها أن يستخرج جوازاً للسفر، وقبل الجواز لا بد أن يكون حاصلاً على هوية وطنية، ويتطلب منه حسب الأوضاع الصحية مثلاً تطعيماً وشهادة طبية، وفي بلاد كثيرة لا يعطى هذه الوثائق ما لم ينهِ خدمته العسكرية الإجبارية، وغير ذلك.
فأنت ترى أيها المنصف أن شروطاً كثيرة ينبغي لمريد الحج أو العمرة أن ينهيها قبل التصريح بالحج من السلطات السعودية المعنية بالحج مباشرة.
فنسأل المشكك الحاقد المتربص لمَ سكتّ عن كل هذه الشروط وغصصت بشرط التصريح؟ وأي جواب ستجعله مبرراً لتلك، فلدينا من المبررات أضعافه، فظهر لكل ذي عينين أن القضية ليست حرصاً على دين، أو بيانا لأهمية ركن منه، ولكنها محاولة إسقاط الرمز، وسعياً لتشويه صورته، وذلك بفضل الله عليهم عسير ليس بيسير. هذا، والله من وراء القصد.
http://www.alriyadh.com/2080501]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]