«هل تؤمن بالأبراج؟»، باغتني أحد معارفي بهذا السؤال. نظرت إليه متعجباً وأجبت: «من ناحية شرعية فلا يمكن أن أؤمن بالعرافين والكهنة ومن يدعون معرفة الغيب، ولكن ما يسمى الأبراج في شقها الخاص بوصف الشخصيات يمكن أن ينظر لها كنتيجة علوم إحصاء لعقود طويلة خرجت منها هذه التصنيفات للشخصيات والأنماط السلوكية والتي يمكن الاستئناس بها دون الدخول في عالم ما يزعمون به قراءة المستقبل!». بعدها سألت ذلك الزميل: «لماذا تسألني عن الأبراج؟»، فضحك وروى لي حكايته قائلاً: «انتقلت إلى وظيفة جديدة بمنصب مرموق ومزايا رائعة. كنت كلي حماس وعزم على إثبات نفسي وجدارتي بهذه المكانة. وفي أول لقاء لي مع مديري المباشر انصدمت به يقول لي أنه تحمس جداً لتعييني لأن برجه يتوافق تماماً مع برجي وينسجمان في العمل سوياً!! وانطلق المدير يتحدث بإسهاب عن برجي وأنا صامت من هول الصدمة.. مازال الحديث للزميل الذي سأل رفاقه في مكان العمل والذين أكدوا له أن مديره مهووس بمسألة الأبراج الصينية والأمر معه جدي جداً في هذه القضية. ضرب صاحبنا أخماساً بأسداس وشاور أقاربه الذين نصحوه بالاستقالة. ولكنه قرر أن يأخذ رأي أحد مدرائه السابقين والذين يثق برأيهم كثيراً. وكانت نصيحة ذلك المدير السابق هي: «إذا كان مديرك يحب الحديث عن الأبراج الصينية فعليك أن تقرأ عنها وتتطلع عليها لتتمكن من مسايرته في الحديث، ولست مجبراً على أن تؤمن بها على الإطلاق!». التزم صاحبنا بهذه النصيحة واشترى عدداً من الكتب عن الأبراج وهو اليوم نجم لامع في مجاله بسبب خبرته العملية والعلمية طبعاً بعد فضل الله ثم علاقته الممتازة مع مديره والذي عرف المفاتيح للتفاهم معه والتعامل مع عقليته.
وبعيداً عن موضوع الأبراج التي لا أؤمن بها، إلا أن الحديث هنا عن أهمية أن يبذل المرء جهده لفهم الطرف الآخر والتواصل معه وبناء جسور التواصل. فعلى سبيل المثال زار رئيس الوزراء الياباني جونئيتشيرو كويزومي الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن وتحدث له على العشاء عن عمل درامي أمريكي قديم شاهده في شبابه ونال إعجابه. فما كان من بوش بعد انتهاء تلك الزيارة إلا أن طلب من مساعديه ترتيب وقت له لمشاهدة ذلك العمل الدرامي بكامل أجزائه قبل أن يلتقي مجدداً مع رئيس الوزراء الياباني لكي يكون قادراً على التحدث عنه في اجتماعهما القادم.
وفي الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الياباني الحالي فوميؤو كيشيدا إلى باريس أهدى إلى رئيس الوزراء الفرنسي غابريل أتال هدية نادرة من منتجات شخصية الانيمي دراغون بول بعد أن سمع عن حب رئيس الوزراء الفرنسي لتلك الشخصية التي شاهدها في طفولته.
بطبيعة الحال، من شبه المستحيل أن تكون ملماً بكل شيء وجميع المواضيع، ولكن يمكن قراءة ومشاهدة المقابلات والمنشورات الخاصة بالشخص أو الأشخاص الذين ستتم مقابلتهم. ويمكن البحث عن هواياتهم والأعمال المفضلة لهم أو الأماكن التي يحبون زيارتها. ومن شأن ذلك أن يختصر الكثير من الأوقات ويساعد في نجاح المفاوضات.
وإذا كان السيد ديل كارنيجي في كتابه الشهير (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر بالناس) يقول: «إذا أردت أن تكسب الناس إلى طريقة تفكيرك، دع الرجل الآخر يتحدث عن نفسه»، فتعليقي هو أنه لبناء أرضية مشتركة وزيادة فرص نجاح الشراكة والعمل المشترك فمن المهم أن تستمع بشكل جيد وتتيح للطرف الآخر أن يتحدث عما يهمه ويعجبه وفي الوقت نفسه فلا بد من الاطلاع المسبق بقدر ما يمكن والقدرة على التواصل والحديث في تلك المواضيع التي تستهوي الطرف الآخر.
وباختصار، لكل شخص مفتاح يسهّل فتح أبواب التعاون والشراكة، وبقدر ما قد يكون إيجاد المفتاح المناسب لكل شخص وفتح الباب صعباً وشاقاً، فالحفاظ على العلاقة وبناء الثقة المتبادلة هو التحدي الأكبر والأكثر صعوبة وهو ما يستلزم الصدق والأمانة والقوة في الإيفاء بالوعود وتحقيق الأهداف والنجاحات. وأختم بكلمات آرثر أس: «المفتاح الأساسي للنجاح هو الثقة بالنفس، والمفتاح الأساسي للثقة بالنفس هو الاستعداد».
http://www.alriyadh.com/2081232]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]