تظل فكرة السعادة بعيدة المنال عن الكثيرين في العالم العربي، ولعلنا نستكثر على أنفسنا القليل من الفرحة، فهل درُبنا على عشق فلسفة الوجع والألم والحزن والكآبة؟، أظن ذلك، وإن تغيرت تلك النظرة قليلاً مع معطيات العصر، وانتشار السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، وظهور جيل جديد يبحث في أغوار الضحكة الغائبة عن واقعنا، وانتشار الابتسامة المصطنعة، ويعد هذا الأمر جيداً بعض الشيء، رغم قتامته؛ لأن المتعة المصطنعة عمرها قصير جداً، التي لا تتخطى المرور عبر الشفاه للحظات، ولكننا في حاجة إليها؛ لذا سنجد الأفلام الكوميدية تلقى القبول، ولكن صناعتها غاية في الصعوبة، مع أننا شعوب تمتاز بالفكاهة قديماً، وخفة الظل، وروح الدعابة، والقدرة على اختلاق المواقف الكوميدية، من واقع حياتنا الاجتماعية أو العملية، ويصل الأمر للسخرية من أنفسنا بحثاً عن الابتسامة الضائعة التائهة في دروب الحياة.
الأدهى من ذلك أن الفرحة في عصرنا ترتبط بمواسم معينة، أعظمها على الإطلاق فرحة الانتهاء من الاختبارات الجامعية والمدرسية وظهور النتائج، وبداية الإجازة الصيفية، وما أقصرها في ظل الفصول الدراسية الثلاثة التي تم اختراعها حديثاً، بدعوى أن العالم المتقدم اخترعها، وكان نتاج ذلك التقدم في المنظومة التعليمية وارتفاع مستوى الطلاب، مع تغافل البعد الترفيهي وجدواه في التحصيل الدراسي، ونجاعته في صفاء الذهن وترتيبه، وإعادة صياغته من جديد قبل بداية العام الدراسي الجديد.
والسؤال المهم، هل في استطاعتنا أن نفرح في تلك الأوقات؟ أم أن عقولنا وقلوبنا أَلِفت النكد والكآبة؟، لأن الفرحة في عصرنا تتكلف الكثير، مع أن البلدان الأخرى في غير العالم العربي، تجعل الفرحة ثقافة يجب تعليمها وممارستها، كل حسب طاقته وسعته واستعداده المادي والنفسي، وكأن الفرحة والسعادة سياسة دولة، وحتى أكون منصفاً، فقد أولت المملكة هذا الأمر أهمية كبيرة، ووضعت استراتيجيات قابلة للتحقيق على أرض الواقع، إلا أننا مازلنا نتقوقع في عالم الكآبة، حتى أضحت المتعة والسعادة والفرحة عملات نادرة في عصرنا، إننا باختصار لا نجيد فن الفرحة.
وإذا كنا نتحدث عن فلسفة الفرحة، فنحن نعيش موسماً رائعاً للفرحة والسعادة غير المسبوقة، التي ادخر أصحابها الغالي والنفيس لسنوات للحصول عليها، إنهم ضيوف الرحمن الذين أدوا فريضة الحج، يا لها من فرحة، لا يعرف مقدارها إلا أصحابها ومن عاشوها، إنها فرحة تنتقل من الحاج وذويه إلى أهله وأقرانه وجيرانه، وقريته ومدينته، فإذا كان أكثر من مليوني حاج أدوا الفريضة الغالية، فنحن أمام أكثر من عشرين مليون فرحة في بلدان العالم.
فرحة الحاج نموذج متفرد من أنواع السعادة والمتعة التي ينتشر عبيرها في العوالم المحيطة به وبأهله وذويه، فرحة إيمانية، وفرحة بتحقيق آمال غالية لمن يتطلعون لأداء الفريضة الغالية، ويبدؤون الادخار من الصغر ومنذ نعومة أظفارهم؛ لتكوين حصيلة مادية تغطي تكاليف الحج وأعبائه، وهذا ما يجعلنا نرى أن معظم حجاج بيت الله الحرام من كبار السن، الذين عاشوا سنوات عمرهم يدخرون لهذا اليوم العظيم، والشيء الآخر الذي يدخرون له بفرحة، الادخار من أجل توفير مصروفات خروجهم من الدنيا، نفقات الجنازة، وهذا الأمر شائع في معظم بلدان العالم الإسلامي.
نحن في حاجة أن نبحث عن الفرحة بداخلنا أولاً، وعن صناعتها في واقعنا، وأن نغير منهج حياتنا، والتخلي ولو قليلاً عن الدراما القاتمة، حتى في مشاهداتنا وتلقى القبول أكثر من فكرة الابتسامة التي غابت، وتكاد تنقرض، وتصبح رابع المستحيلات، الغول، والعنقاء، والخل الوفي، ثم الفرحة..




http://www.alriyadh.com/2081235]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]