التحول الرومانسي في مفهوم الطب النفسي على السوشال ميديا، وبالأخص بين الشباب العربي في الأعوام الأخيرة، كان سبباً في خروج علوم كرتونية، تعتمد عليه كوسيلة في علاج المشكلات، ومن قبل أشخاص غير مختصين، يقدمون نصائح عامة في الحياة، بمسميات من نوع، تنمية المهارات الأساسية، والتنمية البشرية، ومدربي الخبرات الحياتية، ووسيلتهم الكلام التحفيزي، والعبارات المنمقة...
في الأول من سبتمبر المقبل، سيبدأ العمل بنظام جديد يخص الممارسات المهنية الصحية، وهو يشترط على الممارسين الصحيين، اجتياز اختبار الرخصة المهنية الخاصة بهم، ومن هؤلاء من يسمون أنفسهم بالمستشارين النفسيين، ويحضرون بكثافة على منصات السوشال ميديا، فقد ضبط التنظيم الجديد الوظائف النفسية، وقسمها إلى أربع فئات، وذلك بحسب خبرة الشخص ومؤهلاته العلمية، وستتراوح ما بين اختصاصي نفسى مساعد لحملة البكالوريوس، واختصاصي نفسي أول ومن ثم استشاري، للحاصلين على الدكتوراه، وبشرط إتمامهم لمدة تدريب على رأس العمل، مدتها من ثلاثة أشهر لثلاثة أعوام، بينما الاختصاصي النفسي في أميركا، لا بـــد وأن يكون حاصلا على الماجستير، ويتم ثــــلاثة آلاف ساعة إكلينيكية، وألف ساعة إشرافية، لمزاولة المهنة، وهذا الإجراء يأتي لضبط العشوائية الموجودة في مجال الاستشارات النفسية، والتأكد من أن ممارسيها مــؤهلون، وأنهم أصحاب خبــــرة في المجال النفسي، وبما يفيد في رفع الكفــاءة المهنية وجــــودة الخدمات، ويساعد على خفض إعداد ممتهني الفتوى النفسية، من غير المختصين، وما يقدمونه من هلوسات.
الاستشــــــارات الطبية النفسيــة على المنصات الاجتماعية بدأت في 1994، وقد كانت توظف بشكل سلبي، من المريض والطبيب معاً، فالأول يستخدمها كوسيلة لاستعطاف الناس، والثاني يحاول التربح من ورائها مالياً وجماهيرياً، والخطأ في التشخص وارد، لأن الطبيب تعامل مع حالة لا يراها ولا يعرف تاريخ صاحبها المرضي، والأعجب أن صفة مستشار نفسي، والتي تقدم كبطاقة تعريف لمن يمارسون الدجل الإلكتروني باسم علم النفس، ليست من بين الألقاب المستخدمة في الطب النفسي، طبقاً لهيئة التخصصات الطبية السعودية، والأرجح أن حاملها غير مرخص، ومهدد بالحبس لستة أشهر، وغرامة تصل إلى مئة ألف ريال، أو ما يعادل 26 ألفا 667 دولارا، بموجب المادة 28، من نظام مزاولة المهن الطبية، وأجد أن العقوبة ليست كافية، ولا تحقق الردع المطلوب، والأنسب تغليظها، والتشهير بالمنتحلين.
الإحصاءات السعودية المتوفرة، تقدر أعداد السعوديين المصابين باضطراب نفسي، بنحو 33 % من إجمالي السكان المواطنين، إلا أن من يحاولون معالجة أنفسهم لا يتجاوزون 5 %، والنساء يتفوقن على الرجال في الاضطرابات النفسية وبنسبة 65 %، ولعل الهروب إلى منصات السوشال ميديا، والطب الاتصالي أو الرقمي والتطبيقات النفسية، سببه عدم رغبة الرجال تحديدا، في التعرف على هوياتهم، لأن المرض النفسي ، ورغم تطور المجتمع، ما زال مرتبطا بالجنون وفقدان الأهلية، أو أنه بأقل تقدير قد يحرم صاحبه من الزواج، ويحيل أخواته إلى عوانس، والمجتمع السعودي لم يتعرف عليه بشكله الطبي، إلا بعد افتتاح مستشفى الصحة النفسية في شهار بمدينة الطائف، وكان ذلك في عام 1952، وهذا المستشفى وما ارتبط به من أحداث ومرويات، كــــرس صـورة ذهنية غير جيدة عن المريض النفسي، وأسوأ بكثير من واقعه.
الإقبال السعودي على تقديم الخدمة النفسية الإلكترونية، ودخــــول غير المختصين إليها، وبمسميات مختلفة، لم يأتِ من فراغ، فالعيادات النفسية الخــاصة ليست مربحة، ولـــدرجة أن بعض أطباء الفضائيات، يطلبـون ثــــلاث مئة ريال، أو ما يعادل 80 دولارا، مقـــــابل استشارة قصيرة في رســالة جوال، وحتـى المريض نفسه لا ينوم في القطاع الطبي الخاص، وما سبق لا يغيب أولوية الحضور الشخصي والمقابلة المباشرة، ما بين الطبيب والمريض النفسي، وفي الأماكن المخصصة وبالملابس المناسبة، وأنه أفضل من التواصل عن بعد، في السيارة، أو في الشارع، أو بالبيجاما في غرفة النوم.
الأصعب هو أن أعداد الأطباء النفسيين محدودة في المملكة، ولا تتجاوز الألف ومئة طبيب، بحسب إحصاءات 2020، والاستشاريون بينهم في حدود 400 استشاري، وآخر الأرقام تشير لوجود طبيين ونصف لكل مئة ألف شخص، في مقابل 20 طبيبا لكل مئة ألف في الدول الاسكندنافية، ورواتبهــم أقل من غيرهـــــم، ما يجعلهم صيدا سمينا لعالم الرقمنة النفسية، فإيرادات الصحة الرقمية في العالم تصل إلى 400 مليار دولار سنوياً، وحصة السوق السعودي فيها 70 مليار دولار.
التحول الرومانسي في مفهوم الطب النفسي على السوشال ميديا، وبالأخص بين الشباب العربي في الأعوام الأخيرة، كان سبباً في خروج علوم كرتونية، تعتمد عليه كوسيلة في علاج المشكلات، ومن قبل أشخاص غير مختصين، يقدمون نصائح عامة في الحياة، بمسميات من نوع، تنمية المهارات الأساسية، والتنمية البشرية، ومدربي الخبرات الحياتية، ووسيلتهم الكلام التحفيزي، والعبارات المنمقة، وهم يعتقدون أن المرض النفسي في أصله، يعبر عن أساليب خاطئة في التفكير، وهو تصور مغلوط، والدليل أن مرضي الذهان والفصام، لا يمكن معالجتهم بهذه الطريقة، وآخرون يعالجون بعض القضايا الاجتماعية باستخدام مفاهيم نفسية، والسابق خطير وغير سليم من الناحية العلمية، وبالتــالي فالأمر يحتاج إلى تحــــــرك فاعل لوزارة الصحة السعودية، توقف به هذا العبث والمسؤولين عنه، وبما يؤكد على جديتها في حوكمة ممارسة الطب النفسي، ومراقبة مستوى الالتزام بتنظيم الرخصة المهنية.
http://www.alriyadh.com/2083701]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]