وقت دراستي في المرحلة المتوسطة، كنت رئيس الإذاعة المدرسية، وصادف أن فصلي مسؤول عن الإذاعة في ذلك اليوم فاتفقت مع رائد الفصل على أن نقدم برنامجاً مميزاً ومسابقة يتنافس عليها طلاب المدرسة مع جوائز بادر رائد الفصل مشكوراً بتحمل تكاليفها، وفعلاً تم إعلان المسابقة وحظيت بتفاعل كبير وتم إعلان الفائزين خلال الفسحة وسُلمت الجوائز إلى الطلبة الفائزين من رائد الفصل بعد أن قمت بالإعلان وإدارة الفعالية بكل اقتدار من وجهة نظري كطالب عمره 13 سنة فقط. وبعد العودة إلى الفصل تفاجأت بمدرسي ورائد الفصل يدخل علينا منفجراً من الغضب وعيونه محمرة ويكاد الشرر يتطاير منها، صاح فيّ منفعلاً: "كيف تجرأت على فعل هذا؟ ما فعلته لا ينم عن احترام وتقدير لأستاذك الذي هو رائد فصلك!"، كنت ما أزال صامتاً ومصدوماً تماماً من الموقف، ففي الوقت الذي كنت أنتظر من أستاذي الشكر والثناء تفاجأت بهذا الغضب والبلاء، وما هي إلا لحظات ويكمل أستاذي كلامه: "رغم أني على يقين بأنك تربيت تربية خاصة، فقد صدمتني وتحدثت وحدك وأدرت الحدث وحدك ولم تتركني أتكلم وجعلتني كالطرطور!"، ولتسهيل الفهم على القراء الكرام فالطرطور تعني الشخص الضعيف التافه والذي لا يتخذ أي قرارات ولا يهش ولا ينش.
تمالكت نفسي واعتذرت لمدرسي أمام زملائي في الفصل مع التأكيد على احترامي الشديد وتقديري له وأن ما حصل لم يكن مقصوداً أبداً. ورغم أن سنوات طويلة مرت على هذا الموقف فقد علمني أستاذي ورائد فصلي درساً للحياة لم يكن مكتوباً في المناهج والمقررات الدراسية ولكنه ظل معي وأنا في معترك الحياة المهنية، هذا الدرس هو أن لا تهمش مديرك واحرص على أن تظهر له الاحترام الذي يستحقه.
وشتان ما بين النفاق والتملق للمديرين وما بين التعامل باحترام، فالأول مداهنة وتمثيل رديء بهدف كسب رضا المدير وإن كان على خطأ ومهما كانت ممارساته مرفوضة، وبالمقابل فالتعامل باحترام وتقدير يقتضي إطاعة الأوامر والالتزام بالتوجيهات وفي الوقت نفسه طرح الآراء بصدق وشفافية واحترام حيال مختلف القضايا بأدب دون تجاوز للحدود والصلاحيات.
والآن وبعد هذه السنوات، وعندما أتذكر الموقف بهدوء، أرى أن أستاذي كان بإمكانه أن يطلب مني المايكرفون أمام الطلبة ويلقي كلمته، وكان بإمكانه أن يوجّهني بطريقة أكثر هدوءاً وحكمة وليس بتلك الطريقة أمام زملائي.
وربما كان هذا درساً آخر تعلمته في أن المدير مهمته أن يوجه وينتقد بشكل بناء ويعلم بطريقة راقية تحفظ لهم كرامتهم دون إهانات وفي الوقت نفسه تطور مهاراتهم وتصقل خبراتهم.
باختصار، لم أتعلم من أستاذي العزيز، الذي أذكره بخير، أهمية احترام المدير وضرورة التوجيه والنقد بطريقة محترمة مع الموظفين فقط، بل تعلمت الدرس الأهم وهو أن منصبك وسلطتك لن تبقيا، بل ما سيبقى هو الأثر الذي صنعته في حياة من معك وكيف سيذكرونك سواء بالخير أو بالشر.
وختاماً، نصيحتي لكل مدير، سترحل عاجلاً أو آجلاً، فاحرص على أن تترك خلفك أناساً كثيرة تدعو لك واحذر كل الحذر من دعوات الذين ظلمتهم عليك..




http://www.alriyadh.com/2084618]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]