لم يمنع التكاســــل المجتمعي من بعض القطاع الخاص السعودي، أهالي الطلاب التوحديين من مساعدتهم لإكمال التعلم الجامعي، والحصول على درجة البكالـوريوس، ومن الزواج وتكــوين أسرة كبقية الناس، وليست كل النهايات سعيدة...
خلال الفترة ما بين عامي 1970 و2020، ارتفعت أعداد المصابين بالتوحد بمعدل ثلاثة أضعاف، فقد كان يصيب واحداً من كل عشرة آلاف في 1970، وتراجع إلى واحد من بين 36 في 2020، ووصل في العام الجاري 2024، إلى واحد من أصل 23، وتعداد المملكة الأخير قدر السكان السعوديين بنحو 18 مليوناً و800 ألف إنسان، ما يعني أن المواطنين المصابين بالتوحد، قد تصل أعدادهم الفعلية لقرابة 820 ألفاً، ومن الضروري أن تسجل هيئة الإحصاء أعداد ذوي الإعاقة الفعلي فهذا سوف يساهم في رسم الخطط المناسبة لهم لأهميتها بوجود برنامج الأمير محمــد بن سلمان للتـــوحد، والذي خصص بالتعــــاون مع كليفلاند كلينيك الأميركية، مراكز لرعاية هذه الفئة في سبع مدن داخل المستشفيات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في الرياض وجدة والطائف، ومعها الظهران وتبوك وحفر الباطن وخميس مشيط.
إلا أن هذه الفئة ما زالت تعاني فيما يخص حقوقها الأساسية في مرافق وزارتي الصحة والتعليم، وأقول هذا من واقع تجربة لأحدهم، فقـد قام بمحاولة إدخال ابنه التوحدي لمدرسة سعودية خاصة، إلا أنهم رفضوا قبوله، بحجة عدم وجود إمكانات لخدمته، أو مختصين في التربية الخاصة، وعندما عرض عليهم إحضار (شادو تيتشرز)، أو معلم ظل على حسابه لم يقبلوا بذلك، بينما أبدت المدارس البريطـــانية والفنلنـــــدية الموجودة في المدينة نفسها، استعدادها لاستقباله، وأكدت أن لديها القدرة الكاملة على خدمته، ولم يمنع التكاســــل المجتمعي من بعض القطاع الخاص السعودي، أهالي الطلاب التوحديين من مساعدتهم لإكمال التعلم الجامعي، والحصول على درجة البكالـوريوس، ومن الزواج وتكــوين أسرة كبقية الناس، وليست كل النهايات سعيدة.
الأصعب فيما يخص وزارة الصحة، قيام بعض الأطباء السعوديين ممن لهم اســم وسمعـة في مجــــال الإعــــاقة إلى نصـــح أسرهم باستخدام الطب الشعبي لعلاجهم، وإعطائهم (حليب الإبل)، والتصرف السابق يفيد بأنهم يعاملون التوحد معاملة المرض، ويحدث هذا، رغم إدراجه ضمـــن المشروع الوطني للإعاقة، والحقيقة أنه اضطراب واسع وغير محــدد المعالم، ولم يصل لمـــرحلة المرض الممكن تشخيصه وعلاجه، لأن أعراضه تختلف من شخص لآخــــر، ما يفسر تسميتــــه باضطراب طيف التوحد في 1993، وأول وصف مسجل لطفل توحدي، يرجع لعام 1799، أو لأواخر القرن الثامن عشر، ولكنه صنف كمرحلــــة مبكرة من مرض الفصــــام، وحتى تسمية (التوحد) كانت موجودة في تلك الأيام، ولفظ (أوتزم) مأخوذة من الكلمة اليونانية (أوتس)، ومعناها الشخص المنشغل بنفسه.
في عام 1981، قامت الطبيبة البريطانية لورنا وينغ، بعمل تحديد مبسط لسمات مصـابي التوحد اسمتها بـ(ثلاثية وينغ)، وجاء في مقدمتها قصور الخيـــال، بمعنى أن التوحدي لديه مشكلة في فهم المجازات واللغة، عندما تحتمـل أكثــــر من معنى، ولا يستــــوعب الأفكار غير المنطقية أو المخفيـــة في ثنايا الكلام، ولا يفهم المزاح أو التلاعب بالكلمات، والأمر الثاني، صعوبة إقامته لعلاقات مع الآخرين، والتواصل البصري معهم، والأمر الثالث، التأخر في تطوره اللغوي ومهاراته اللفظية، وكلها مشتركة بين معظم التوحديين.
لعل أول تعريف باضطراب التوحد في أميركا والعالم، جاء عن طريق فيلم (رجل المطر)، الذي لعب دور البطولة فيه داستن هوفمان في دور (ريمون) بمشاركة توم كروز، وصدر عام 1988، وقد حقق إيرادات وصلت إلى 412 مليون دولار، وتعتبر الأعلى في وقته، والفيلم ساهم وبدرجة كبيرة في بناء التصورات الحالية عن التوحد، وهو مأخوذ من قصة وقعت بالفعل، ولا بد من التأكيد على أنه كرّس فهماً مغلوطاً للتوحد، واقتصــر في سرديته على التوحديين العباقرة، أو المصابين بـ(متلازمة اسبرغر) أو (التوحد السيكوباتي) المنسوبة إلى الطبيب النمساوي هانس اسبرغر، وهؤلاء قلة كإينشتاين وإسحـــــاق نيوتن، والصحيح استناداً لدراسات مختصة أن 70 % من مصابي التوحد يحصلون على درجات أقل من المتوسط في اختبارات الذكاء والقدرات العقلية، والواجب مراعاة السابق في اختبارات القياس التي تختبر قدراتهم عند الدخول إلى الجامعة، والأخذ بالمعايير الدولية المعمول بها في التعامل معهم، وأن لا يرفع السقف عليهم وتتم مساواتهم بالأصحاء.
الدولة تنهض بدور مهم، ولذلك فهذه الفئة بحاجة لإتاحة فرص دراسة وعمل وعلاج وترفيه مناسبة لذوي التوحد، وذلك باعتبارهم مكوناً مهماً في المجتمع السعودي، مع العمل على برامج تعديل سلوك فاعلة، واعتماد أساليب مجربة وموثوقة للعلاج التفاعلي الاجتماعي والعلاج الفيزيائي الخاص بالتوافق العصبي العضلي، والعلاج بالتغذية لتعويض النقص الحاصل بفعل روتينهم الغذائي خصوصاً وأن 89 % من التوحديين لديهم مشكلات في الهضم والتغذية، بالإضافة لإيجاد مراكز رياضية يديرها أشخاص مؤهلون لتطوير مهــــاراتهم في الرياضات المختلفة، فربما خرج من بينهم ليونيل ميسي سعودي، فقد قال التوحدي ستيوارت دانكن، عازف الكمان والشاعر الأميركي، بأن التوحد لا يعتبر إعاقة وإنما قدرة عقلية مختلفة.
http://www.alriyadh.com/2085107]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]