العالم مصدوم؛ لم يتصور انحراف التنافس الانتخابي في الولايات المتحدة الأميركية إلى اتجاه العنف والاغتيالات ليشهد محاولة كادت أن تصيب. ولا شك أن الخطاب السياسي في الولايات المتحدة سيشهد تصعيدًا غير مسبوق ولغة جديدة تحاول استغلال الحادثة وربما تبريرها وتقاذف المسؤولية.
والحقيقة أن الولايات المتحدة كادت أن تسقط في المستنقع الخطأ، ولو كانت المحاولة استهدفت بايدن لكانت السيناريوهات أقل سوداوية بوجود رؤوس ديموقراطية كثيرة تتطلع للسباق، ولا تُستثنى نائبته التي تتطلع للسبق التاريخي الذي تقف على أعتابه، لكن استهداف ترمب في ظل الوهن الذي تعيشه القيادات الجمهورية كان سيؤدي بلا شك إلى فوضى وربما انهيار لو كانت الرصاصة أصابت مرشحهم الأبرز.
واليوم ستتراجع جميع الملفات لصالح ملف محاولة الاغتيال وتحليلاته؛ ويمكن أن تصبح محورًا رئيسًا في الحملات الانتخابية لسنوات؛ فمؤيدو ترمب قد يستخدمونها لتأكيد الحاجة إلى قيادة قوية وقادرة على مواجهة الانحراف الخطير في الديموقراطية الأميركية.
وكالعادة فإن الديموقراطيين لن يفوتوا الفرصة نحو مطالبات بتشديد القوانين المتعلقة بالأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، وسن تشريعات جديدة لتعزيز الحماية والأمان لكبار الشخصيات السياسية لذر الرماد في العيون وإظهار أكبر قدر من المسؤولية والقوة تجاه الاختراق الأمني.
كما أنه من غير المستبعد أن نشهد إعادة تشكيل لبعض التحالفات السياسية؛ إذ يمكن أن تتوسع القاعدة المؤيدة لترمب لتشمل كل من يرفض العنف ويريد أن يكون صارمًا في موقفه منه، وهذا قد يؤدي إلى تشكيل تحالفات غير متوقعة، يدفع ذلك الخطابات السياسية التي ستركز على مفهوم الوحدة الوطنية في وجه العنف.
يضاف إلى ذلك أن محاولة الاغتيال الفاشلة قد تولد ردود فعل عاطفية قوية بين المواطنين الأميركيين، مما يؤدي إلى موجة من التعاطف مع ترمب؛ هذا التعاطف يمكن أن يتجسد في مظاهرات تأييد، وزيادة في الحضور الجماهيري في الفعاليات السياسية التي يشارك فيها ترمب، وهو الأمر الذي قد يترجم إلى زيادة في دعم ترمب في استطلاعات الرأي، حيث العديد من الناخبين قد يرون في ترمب شخصية بطولية ناجية من محاولة اغتيال، مما يعزز مكانته لديهم، وبالطبع فإن قاعدة ترمب الشعبية قبل المحاولة لن تكون هي ذاتها بعد المحاولة حيث من المتوقع أن يزداد ولاء ودعم أنصاره ليصبحوا أكثر نشاطًا وفاعلية في دعمهم السياسي والانتخابي، كما حدث مع الرؤساء السابقين روزفلت وريغان، الذين انتهت محاولات اغتيالهم الفاشلة بالمزيد من التعاطف الشعبي.
وكما انضم لترمب داعم كبير بحجم إيلون ماسك فإن المرشح الجمهوري تنتظره زيادة في التبرعات المالية من مؤيديه الذين يرون ضرورة في دعمه ماليًا لمواجهة التهديدات التي ستظل تلوح في الأفق حتى ينتهي السباق بترمب في البيت الأبيض أو السجن.
لا ننسى قوة الأصوات المترددة في حسم النتائج في اللحظات الأخيرة وهذه بلا شك تغلب عليها العاطفة وتحتاج إلى دفعة ربما بسيطة لتنحاز لطرف من الأطراف، وقد قدمت لهم محاولة الاغتيال ما يكفي لحسم قرارهم، بالإضافة إلى تحفيز المزيد من الأميركيين الذين لم يكونوا في وارد المشاركة على المشاركة في الانتخابات المقبلة، سواء من خلال التصويت أو ربما الانخراط في حملات الدعم، دفاعاً عن الديموقراطية الأميركية.
الانتخابات المقبلة بلا شك ستشهد حالة عاطفية جارفة جديدة عنوانها (الوحدة الوطنية)، حيث لدى الناخبين من مختلف الأطياف الأسباب الكافية لدعم "الناجي من الاغتيال" والتأكيد على رفض العنف، وليس أمام فريق بايدن إلا القيام بخطوة كبيرة بحجم قبوله لمطالبات التنحي وتقديم السيدة هاريس.
http://www.alriyadh.com/2085114]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]