شهد نهاية الأسبوع الماضي أكبر انقطاع لتكنولوجيا المعلومات في التاريخ، بعدما توقفت الرحلات الجوية وطالت طوابير الانتظار في العديد من مطارات العالم، لدرجة أنه تم تسجيل وصول الركاب يدوياً، وتعطلت خدمات الطوارئ، وتعرقلت أنظمة الدفع الإلكترونية، وتشير هذه الوقائع إلى خطورة اعتماد الاقتصاد العالمي على مجموعة احتكارية من شركات التكنولوجيا الكبرى لتشغيل البنية التحتية الحيوية، لكن الجيد في الأمر ولحسن الحظ، أنه ليس هجوماً إلكترونياً، وإنما خطأ فني في تحديث البرنامج، وإذا تم قياس القرصنة الإلكترونية كدولة، فإن حجمها البالغ 6 تريليونات دولار، يجعلها ثالث أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر من اقتصاد اليابان وألمانيا مجتمعين، وهذا يعني أن الجرائم الإلكترونية تمثل أسوأ تحويل للثروة الاقتصادية في التاريخ.
أظهرت حادثة يوم الجمعة، بجلاء التأثير السلبي لانقطاع التيار الكهربائي على القطاعات الاقتصادية والخدمية المنكشفة بقوة على تكنولوجيا المعلومات، وتسلط مثل هذه الحوادث الضوء على مدى الضعف في الرهان على مورد واحد، ولعل الطريقة الأفضل هي ممارسة الضغط على شركات التكنولوجيا من أجل اختبار أي تحديثات قبل طرحها للمستخدمين، وربما يكون الأمر صعباً إذا كنت تخدم 90 % من دول العالم، وبالرغم من أن الواقعة لم تكن هجوماً متعمداً، إلا أنه لا ينبغي الاستهانة به، فعلى الشركات أن تتأكد من حماية بياناتها وأن أنظمتها قوية بما يكفل تحمل انقطاع الخدمة أو حتى الاختراق، ولعل هذه الكارثة تذكر الجميع بقوة سلاح البرامج السيبرانية، وهشاشة العالم أمام التكنولوجيا، حيث يمكن أن يتعطل أسلوب حياة الناس في جميع أنحاء العالم بسبب خطأ فني في البرمجيات. مع تزايد الجرائم الإلكترونية من حيث الحجم والتكرار، يعد الاستعداد أمرًا أساسيًا، ويبدو أن الشركات التي واجهت هجمات في السابق على أهبة الاستعداد، إلا أن الصناعات التي لم تواجه مثل هذا الحادث بعد تبدو غير مستعدة بشكل صادم، وليس لأن بعض الشركات كانت محظوظة في تجنب الهجوم الإلكتروني حتى الآن، أن يجعلها ذلك محصنة في المستقبل، والواقع، أنه يجب مواجهة هذه التهديدات عبر مزيد من الاستثمار في الحلول الأمنية السيبرانية، ويجب على قادة هذه الشركات بناء ثقافة تأمين البيانات، بحيث يتم التعامل مع الأمن السيبراني باعتباره ضرورة استراتيجية وليس ترفاً بأي حال من الأحوال، وباستطاعة الشركات تحسين وضع الأمن السيبراني الخاص بها من خلال الشراكة مع المنظمات الأمنية، وتقديم برامج التدريب للقوى العاملة وتنفيذ أدوات حماية مهمة للدخول إلى الأجهزة مثل جدران الحماية وحماية كلمة المرور والمصادقة المتعددة. مع ذلك، يجب أن ندرك انقطاع الأمن السيبراني في كل العالم يواجه عاصفة كاملة من التحديات، وبداية الحلول تبدأ من الاهتمام بتفريغ المزيد من الكوادر المؤهلة، فبينما يتوسع هجوم قراصنة الإنترنت عاماً بعد آخر، يعاني القطاع نقصاً مزمناً في المهنيين المهرة، مما يشكل ضغطاً غير مسبوق على فرق الأمن السيبراني الحالية، وبالتالي، يعرض الصحة العقلية لموظفيها للخطر، لأنه عندما يكون موظفو الأمن السيبراني مرهقين ومتوترين، تزداد احتمالية ارتكاب الأخطاء، وتترك الثغرات دون معالجة، وهذا الأمر له تأثير اقتصادي فادح، لأن الخروقات الأمنية تضرب العمليات التشغيلية والإنتاجية، وربما يكون هذا الإرهاق هو الذي تسبب في حدوث الخلل الأخير، وحتى لا نقلل من تقدير هذا الخلل، يكفى أن نشير إلى أن الإجهاد المرتبط بالعمل يكلف الاقتصاد البريطاني، على سبيل المثال، 36.2 مليار دولار سنوياً.




http://www.alriyadh.com/2086071]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]