الكهرباء نعمة من نعم كثيرة أفاء الله بها علينا حتى أضحت حياتنا بدونها أمرًا لا يمكن تحمله أو حتى مجرد تصوره، فإذا اعتبرنا أن الماء والهواء هما العنصران الأساسيان لديمومة الحياة وبقائها، فإن الكهرباء -بلا شك- هي العامل الأساسي لاستمرار التطور والنمو والتقدم والرخاء، فقد دخلت الكهرباء كل أنماط حياتنا ومعاشنا فازدادت الحاجة لها والاعتماد عليها والاستفادة منها في المنازل والمدارس والمكاتب والمتاجر وفي المشاريع الصناعية والتجارية والزراعية والتقنية، واستخدمت في وسائل النقل والاتصالات والطب وفي التدفئة والتسخين والتبريد وفي شتى مجالات الحياة. فلنتخيل مثلا انقطاع الكهرباء وحرماننا منها ولو لفترة قصيرة (ساعة واحدة مثلا) فما مدى الحرج والضيق والضجر والسأم والتبرم، لقد غيرت الكهرباء حياتنا بحق من شظف في العيش والممارسة إلى يسر في التعامل والتطبيق.
وفي هذا المقال سيتم تسليط الضوء على بعض الجوانب الهامة والحساسة والمؤثرة وهي ظاهرة الانقطاعات الكهربائية مع إشارة إلى الآثار والتبعات السلبية التي تنجم جراء تلك الانقطاعات سواءً أكانت مجرد مشاعر نفسية أم تتعدى ذلك إلى خسائر مادية واقتصادية يمنى بها الاقتصاد الوطني في كافة أنشطته وقطاعاته التجارية والصناعية. ومن المعلوم أن استهلاك الكهرباء لا يتعاظم إلا في موسم الصيف نتيجة لارتفاع درجات الحرارة وما يلازم ذلك من استخدام مفرط في أجهزة ومعدات التكييف، ولعل أبلغ ما تخشاه شركات الكهرباء قاطبة بل وتجاهد أن تتجنبه وتتلافاه هو حدوث انقطاعات في الخدمة الكهربائية يفضي إلى توقفها وحرمان المشتركين منها لما ينجم جراء ذلك من ضيق وارتباك وتبرم لديهم الأمر الذي سينعكس سلبًا بلا شك ليس على سمعة الشركة لدى مشتركيها ورضاهم عنها وثقتهم فحسب بل وعلى وضعها المالي ومركزها الاستثماري.
وفي سياق الحديث عن الانقطاعات الكهربائية وما يتمخض عنها من معاناة تتراوح بين المشاعر النفسية الحادة المتمثلة في الحرج والضيق وعدم الراحة بالنسبة للمستهلك السكني إلى الخسائر المادية الجسيمة التي يمنى بها كل من المستهلك التجاري نتيجة لتوقف عمليات المبيعات وأنشطة التسوق والمستهلك الصناعي فيما سيحدث له من تعطل في عملياته الصناعية وجدولة منتجاته. ولو بحثنا وتحرَّينا عن أسباب حدوث الانقطاعات الكهربائية لوجدنا ثمة أسباب متعددة لعل من أبرزها وجود عجز في قدرات التوليد أو عدم كفاية خطوط النقل وموثوقية شبكات التوزيع والذي يُعزى عادة لسوء التخطيط وعدم الأخذ في الحسبان تنامي وزيادة الأحمال الكهربائية المستقبلية فلا يكون هناك إضافة لقدرات التوليد أو تعزيز لخطوط النقل وشبكات التوزيع في فترات ومراحل محددة. أيضا تعزى الانقطاعات إلى أسباب أخرى مثل أعطال في معدات توليد الطاقة أو تقادمها وانقضاء عمرها التشغيلي أو إلى خلل في شبكات النقل والتوزيع ومعدات الحماية والتحكم والسيطرة بالإضافة إلى ظروف مناخية وعوامل جوية تكون سببًا في حدوث تلك الانقطاعات كالرياح العاتية والعواصف البرقية والأمطار الغزيرة، كذلك إلى الحفريات العشوائية (أعمال المقاولين وشركات الخدمات غير المنسقة مع الجهات المختصة) التي تتم في الشوارع والطرق مما ينجم عنه قطع أو إتلاف للكابلات والتجهيزات الأرضية، كذلك الطيور عندما تحط بأقدامها على الأبراج وخطوط النقل فتلامس بأجنحتها الموصلات الناقلة للكهرباء مما يسبب تلامسًا فيما بينها يُعرَف كهربائيا بـ «قصر الدائرة» الأمر الذي تستجيب معه أجهزة التحكم والحماية فتعمل على فتح الدوائر الكهربائية ومن ثم يتوقف سريان الطاقة عبر خطوط النقل وشبكات التوزيع. وهناك انقطاعات قد تُـعزى أسبابها إلى الزيادة المفرطة في الأحمال على محطات التوليد أو شبكات النقل والتوزيع وبنسب قد تتجاوز القدرات المصممة والسعات المقننة لها. كما أن من المعروف أن تكاليف الانقطاعات الكهربائية يقع عبؤها الأكبر على عاتق المشتركين (مستهلكو الطاقة الكهربائية) إذ أن خسائر الشركة ذاتها قد تكون طفيفة لا تذكر بجانب معاناة مشتركيها أثناء وبعد حدوث الانقطاعات، وتلك المعاناة تتراوح بين الضيق النفسي إلى الخسائر المادية الجسيمة.
فبالنسبة للمستهلك السكني يكون هناك التبرم والحرج وعدم الراحة وهذه العوامل النفسية والمعنوية من الصعب قياسها وترجمتها إلى قيم مادية محسوسة، ولكن قد تكون أقل وطأة إذا حدثت الانقطاعات مثلا في فصل الشتاء أو الربيع أو الخريف ولكن قد تكون أكثر قسوة وأشد وقعًا إذا حدثت في فصل الصيف مثلاً حيث إن الاستهلاك السكني يكون مرتفعًا عادة في الصيف نتيجة الاستخدام المكثف لأجهزة التكييف، وقد تكون أقل معاناة إذا حدثت في النهار عنها في الليل حيث الحاجة إلى الإنارة، كما أن معظم الأنشطة المنزلية والمناسبات الاجتماعية والترفيهية تحدث عادة في المساء فانقطاعها قد يؤدي إلى شلل في تلك الأنشطة وتوقفها. وبالنسبة للمستهلك التجاري فسيمنى بخسائر مادية عند حدوث الانقطاعات إذ سيضطر إلى إغلاق متجره وبالتالي توقف نشاطه. أما بالنسبة للمستهلك الصناعي فسيمنى بخسائر مادية فادحة حيث إن حرمانه من الطاقة الكهربائية يعني شلل العمل وتوقف الإنتاج وفقدان المبيعات.
كما أن هناك فرق كبير بين أن تحدث تلك الانقطاعات بصورة مفاجئة أو بأسلوب صيانة دورية مجدولة يتم اتباعها والإعلان عنها مسبقا بوقت كاف، فمثلا لو حدثت تلك الانقطاعات بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار فإن ذلك بلا شك سيزيد من حجم المعاناة وتعظيم التكاليف لأن ذلك قد لا يتيح الوقت الكافي أمام المشتركين لتشغيل مصادر احتياطية بديلة للطاقة لديهم للحيلولة دون وقوع خسائر مادية أو معاناة نفسية محتملة.
وقد تختلف درجات تلك المعاناة والخسائر أيضا بالنسبة لطبيعة المشترك ووقت حدوث الانقطاع وطول أمده، فمثلا لو حدث الانقطاع في أوقات الصيف أو استمر الانقطاع لفترات أطول فسيكون هناك الكثير من المعاناة النفسية الحادة والخسائر المادية الجسيمة التي ستلحق بالمشتركين على اختلاف فئاتهم، وفي حالات الصيانة وتعزيز القدرات فمن الأجدى الإعلان عن موعد وفترات انقطاعات الخدمة الكهربائية بوقت مبكر حتى يتسنى للمشترك سواءً أكان سكنيًا أم تجاريًا أم صناعيًا أخذ وسائل الحيطة للإعداد والاستعداد لمجابهة تلك الانقطاعات وتخفيف آثارها النفسية والمادية وذلك بالمبادرة بتشغيل مصادر الطاقة الكهربائية الاحتياطية المتاحة لديه.
ولا شك أن ثمة آثار سلبية متعددة تنجم عن حدوث ظاهرة الانقطاعات الكهربائية مما يؤدي إلى إحداث خلل وإعاقة وإرباك في سير الحياة الطبيعية للمنشآت الاجتماعية والمرافق الحيوية والممتلكات الخاصة. ونظرًا لما لهذه الظاهرة من أبعاد اجتماعية واقتصادية وأمنية وصحية فقد أضحى لزامًا على شركة الكهرباء وكافة الإدارات المعنية في قطاع الكهرباء السعي جديًا نحو طرح هذه المعضلة ودراستها ومناقشتها تمهيدًا لغربلتها وإيجاد أفضل الحلول لها. ويمكن إيضاح أمثلة للآثار السلبية لتلك الانقطاعات على مناحٍ اقتصادية واجتماعية وأمنية وصحية، فمنها على سبيل المثال تلك الآثار الاقتصادية الناجمة عن تعطل العمل في المصانع ومراكز التسوق والمجمعات التجارية الأمر الذي يفضي إلى توقف الانتاج وفقدان المبيعات وبالتالي يؤثر سلبًا على الحركة الاقتصادية، وبالنسبة للآثار الاجتماعية فستتعطل أجهزة الحاسب الآلي في الوزارات والمصالح الحكومية والمطارات والمستشفيات وبنوك الدم والأعضاء الحيوية ودور الرعاية الاجتماعية والموانئ والفنادق والبنوك، كذلك انقطاع المياه في المنشآت العمرانية والسكنية التي تعتمد على الكهرباء في ضخ المياه إلى خزاناتها، كذلك تعطل العمل في المصاعد ومحطات الوقود وفساد الأطعمة في الثلاجات والبرادات في مخاون الأغذية (السوبرماركت)، ناهيك عن الآثار النفسية وما تمثله من ضيق وتبرم وحرج عند فقدان الكهرباء وحرمان المشترك من ممارسة نشاطات أو مناسبات اجتماعية معينة، كما سيمنى بخسائر مادية تتمثل في تلف الأطعمة وتكاليف الوسائل البديلة للتكييف والتدفئة والإنارة والتشغيل. وبالنسبة للآثار الأمنية فإن الانقطاع سيؤدي إلى تعطل وسائل الاتصالات في غرف القيادة والسيطرة وغرف العمليات في الأجهزة الأمنية التي قد لا يتوفر فيها مصادر إحتياطية، كذلك حدوث ارتباك مروري في الشوارع والتقاطعات الأمر الذي قد يحدث فوضى في حركة السير وحوادث مرورية. كما أن ثمة آثار صحية قد تنجم جراء حدوث خلل في وظائف الأجهزة الطبية في المستشفيات والمستوصفات ومراكز العلاج وبخاصة غرف العناية المركزة وأجهزة المختبرات والفحص الطبي وبنوك الدم، كذلك تلف بعض الأدوية والعقاقير والأعضاء الحيوية التي تتطلب درجات حرارة معينة لتخزينها والحفاظ عليها، وكل ذلك يعكس أخطارًا جمَّة تخلفها الانقطاعات على صحة أولئك المنومين في المستشفيات والذين يعتمدون في حياتهم وبقائهم -بعد الله عز وجل- على أجهزة ومعدات طبية خاصة.
ولو استعرضنا الآثار النفسية لوجدنا أنها تتمثل في مشاعر الحرج والضيق والتبرم وعدم الراحة وهذه المشاعر النفسية والمعنوية من الصعب مقارنتها بقيم مادية محسوسة، ففي الصيف مثلا يؤدي انقطاع الكهرباء إلى توقف أجهزة التكييف وبدء المعاناة والضيق النفسي وربما ترك الإنسان الأعمال والمهمات التي يباشرها إلى حين عودة الخدمة الكهربائية. ومما لا شك فيه أن تلك التكاليف تزداد بأضعاف كبيرة مع طول أمد الانقطاعات مما ينجم عنه معاناة نفسية وخسائر مادية تلحق بالمشتركين وبخاصة المشترك التجاري والمشترك الصناعي حيث إن كليهما سيمنى بخسائر مادية فادحة إذا حدث الانقطاع بشكل مفاجئ وبدون سابق إنذار أو طال أمده، وهذه التكاليف تتمثل في فقد المبيعات وتعطل الإنتاج وتلف المنتجات الصناعية أو رداءة جودتها، بيد أن وجود أنظمة مساندة كبديل احتياطي للمصدر عند انقطاع الخدمة الكهربائية ضروري إذ سيقلل إلى حد كبير من حجم تلك الخسائر والتكاليف التي قد تلحق بهذين القطاعين، كما أن الإنذار المبكر للإنقطاعات المجدولة والمخطط لها لأغراض الصيانة وإصلاح الأعطال وتعزيز القدرات عليه معول كبير في قيام المشتركين على اختلاف فئاتهم بالاستعداد وتهيئة ما لديهم من معدات ومصادر احتياطية لتفادي تلك الانقطاعات أو على الأقل التخفيف من آثارها وتبعاتها.
ومن الجدير بالذكر أن هناك اشتراطات على المؤسسات الحكومية وغير الحكومية من حيث الإلزام بتوفير مصادر احتياطية للكهرباء لبعض المواقع الحساسة في حال انقطاع الخدمة الكهربائية حيث صدر قرار من قبل هيئة تنظيم المياه والكهرباء برقم 51 وتاريخ 20 /8 /1443هـ، الموافق 23 /3 /2022م بشأن قواعد تأمين المصادر الاحتياطية للطاقة الكهربائية، وقد تضمن تحديد الجهات التي يجب تأمين المصادر الاحتياطية للطاقة الكهربائية فيها وعلى نفقتها والتفتيش الدوري على تلك المصادر ورصد المخالفات والتأكد من توافر إمكاناتها والتحقق من جاهزيتها.
ولعلنا في نهاية هذا المقال نذكر بعض الوسائل التي يمكن تبنيها وجعلها مصدرًا يركن إليه ويستند عليه من حيث استدامة الطاقة الكهربائية والحد من انقطاعاتها من جهة وجعل قطاع الكهرباء أكثر ربحية وجذبا للاستثمار فيه من جهة أخرى، ولعل من أهمها أن على الشركة أن تؤمن أموالا واعتمادات مالية كافية لشراء مولدات جديدة بدلا من العتيقة والمتقادمة (أي التي استنفدت عمرها التشغيلي وأضحت عرضة للخروج من الخدمة وسببا للانقطاعات)، كذلك تمويل مشاريع تتعلق بالتوسع لتغطية الأحمال الكهربائية المتسارعة -كما نشاهدها في مدن المملكة- كمد خطوط نقل وإنشاء محطات تحويل وبناء شبكات توزيع، إلى جانب الحاجة لربط مناطق المملكة بخطوط نقل وشبكات موحدة لتبادل الطاقة فيما بينها وتعظيم موثوقيتها وعدم انقطاعاتها، وكذلك تمهيدًا واستعدادًا للربط الكهربائي والذي سيتحقق بمشيئة الله مع دول شقيقة مجاورة على غرار ما تحقق بفضل الله من ربط كهربائي بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
*جامعة الملك سعود
http://www.alriyadh.com/2086072]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]