راجت خلال الأيام المنصرمة رسالة تفضي إلى مآسي السهر وتأثيره بدنياً ونفسياً.. ولأني أحد عتاة السهر.. ليس مناجاة قلبية أو لعادات ممقوتة.. ولا حتى ألم أو مرض ولله الحمد.. بل لعادة فرضتها طبيعة العمل فقد وجدت في تلك الرسالة دحراً لفضيلة لا يعرف لذتها إلا من عاشها..
في البدء نؤمن أن في زماننا الجاري لليل فيه ما للنهار.. فالأعمال بينهما تتوزع، وشخصياً عادة السهر فرضت علينا عملاً، واسألوا عثمان العمير وعبدالرحمن الراشد وطارق الحميد.. وهم من تولوا رئاسة تحرير الشرق الأوسط تباعاً وأنا في معيتهم مديراً للتحرير.. وحيث إن الرزينة لا تنام بطبعاتها الكثيرة وأخبارها المتواصلة وإثارتها المستمرة فقد كنت لنحو 33 عاماً أحد الساهرين لمتابعة ما تجود به.
كان السهر هو العامل المشترك لكثير من الزملاء.. وحقيقة أجدهم الآن رغم تقدم العمر بصحة وعافية ولله الحمد، ولا أثر لما انطوت عليه الرسائل التحذيرية، وأقول إن سهر العمل والقراءة وحتى السمر البريء غير سهر المرض والموبقات.. فالأول لذيذ ممتع يزيد من هرمون السعادة وبما يطيل العمر، والأخير مضنٍ مؤلم للأجهزة الداخلية ومرهق للعقل.. والأول تعويضه بساعات نوم نهارية متواصلة مجدٍ، أما الثاني فلا يفك تأثير الدواء إلا آخر مثله، ناهيك عن أصحاب "الهانق أوفر" ومعاناتهم من النهار المدجج بالصداع والنفسية "الخايسة"!
قد يرى البعض أن التضحية بالنوم لأجل العمل وحتى السمر ضار بالصحة النفسية والبدنية لكن هناك دراسات تشير إلى أنه في بعض الأحيان على الرغم من أن الجسم يكون مرهقاً بعد السهر طوال الليل إلا أن الدماغ يشعر بالسعادة.. وكأنهم يعيدون ترانيم شيخ السهر عمر الخيام:
أفـــق خفيف الظل هذا السحر .. نادى دع النوم وناغ الوتر
فما أطال النوم عمرا .. ولا قصر في الأعمار طول السهر.
هنا سأقف قليلاً لأقول، ومن واقع معلومة دعمتها بقراءات كثيرة عن هذا الموضوع، بأن معظم الأعمال العظيمة أنجزت في السهر عرفنا ذلك من سير العظماء.. وبأن من يسهرون لوقت متأخر لديهم عقلية إدراكية مبهرة متفوقة، ويرتبطون بكل ما هو منتمٍ للإبداع كالرسم والشعر والموسيقى والـتأليف الأدبي والعلمي وحتى الاختراعات وأغلب الأجواء الاحتفالية مرتبطة بالسهر، ناهيك عن أن القادة والعظماء من أصحاب القرار في مختلف المجالات لا ينامون باكراً، ولعلي لا أكون مخطئاً إن قلت أيضاً إن من يريدون تقرباً أفضل بربهم يتوجهون إلى قيام الليل بالمزيد من العبادة والتبتل والخشوع.
هناك ما لفت نظري في الموضوع وهو أن أطباء القلب مثلاً يؤكدون أن معظم السكتات القلبية تحدث صباحاً عندما تكون الصفائح الدموية أكثر لزوجة، ويمكن أن تؤدي زيادة الأدرينالين الناتج عن الغدد الكظرية إلى تمزق اللويحات في الشرايين التاجية.. وأنقلها كما هي ولا علم لي بتفاصيلها!
المهم في الموضوع أن ليس هناك لبس أو تشكيك بأن نؤمن بقول الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا﴾ لأفضلية العمل والسعي في النهار لمعظم البشر.. لكن أن يكون السهر بكل جمله وأوقاته موقعاً للأمراض بأشكالها النفسية والعضوية فتلك مبالغة يصنعها الأطباء.. وأصحاب الاختصاص "أبخص"، ولن أتعمق كي لا أجد من يأخذنا إلى منحى مظلم.. لكن في الليل خاصة وسطه وآخره استرخاء نفسي وهدوء، وقت يكون فيه الفكر أكثر استجابة للتطور والتغيير وحتى الاسترخاء.




http://www.alriyadh.com/2086732]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]