يجري الكثيرون خلف المصطلحات الرنانة، يرددونها ويسيرون في ركابها، وهي في الحقيقة أشبه بسحابة دخان خفيفة تطير فوق رأس طفل يحاول الإمساك بها، ومع أنه لا يستطيع اللحاق بها والقبض عليها بأنامله الرقيقة، إلا أنه يتابعها بناظريه حتى تتلاشى، هكذا يتعامل الكثيرون مع مصطلح "السياحة العلاجية"، خاصة عندما يقررون السفر في إجازة صيفية أو شتوية إلى بلد من البلدان، فيذهبون من تلقاء أنفسهم إلى عيادات أسنان، أو مراكز تجميل وشفط دهون، دون معرفة سابقة بتلك الجهات، بل مجرد إعلانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تكون كافية لخداع العشرات وربما المئات، وفي الغالب تكون النتائج غير طيبة، ويخدعونك ويقولون كنا في رحلة سياحة علاجية.
إن السياحة العلاجية أبعد ما تكون عما نراه ونسمع عنه، بل هي شطحات فردية، لأن السياحة العلاجية المحترمة والمعتمدة من أي دولة راغبة في اجتذاب سائحين للعلاج فيها، تكون قائمة على عدد من الحقائق، أهمها ماذا تقدم هذه الدولة من خدمات علاجية؟ ما الذي تتفرد به عن غيرها؟ أين الدليل على الخبرات السابقة؟ باختصار شديد، الدول المعنية بهذا النوع من السياحة، تجعل من ضمن الأجندة الترويجية لمقاصدها، أنواع السياحات بها، الثقافية والترفيهية والرياضية والعلاجية، وغير ذلك، ولكل نوع مقومات، وإذا كنا بصدد الحديث عن السياحة العلاجية، فسنجد مثلاً سنغافورة تروج لسياحة العلاج بالخلايا الجذعية، وتبرز النجاحات والمراكز والمستشفيات التي تقدم هذه الخدمات السياحية العلاجية بفئاتها المالية، وقبل ذلك تأثيراتها الصحية، والجهات الرقابية التي يتم اللجوء إليها في حالة حدوث طارئ.
وماذا عن المملكة التي تستهدف هذا النوع من السياحة؟ وماذا تقدم؟ وهل تستطيع المنافسة؟ وهل لديها من المقومات ما يجعلها عنصراً مهماً في هذا النوع من السياحة؟، بكل الصدق المملكة تعد نفسها لتكون لاعباً مهماً في هذا النوع من السياحة، بما تمتلكه من مقومات، وقد أشارت الهيئة السعودية للتخصصات الصحية إلى تفرد المملكة بكفاءات عالمية في المجال الطبي، ومراكز تدريب وبرامج بوردات لتخصصات دقيقة غير موجودة في دول أخرى، فأضحت رائدة على مستوى العالم في عمليات فصل التوائم السيامية أو عمليات علاج عيوب القلب الخِلقية للأطفال، إضافة لوجود بعض الأدوية التي لا تتوافر في الشرق الأوسط، حيث أعلن مستشفى الملك فيصل التخصصي عن قدرته على إنتاج الخلايا التائية لعلاج السرطان، ليصبح أول مستشفى في الشرق الأوسط قادر على التعامل مع هذه التقنية العلاجية؛ لذلك لا نستغرب أن تصبح المملكة مكانًا جاذبًا للسائح الصحي الباحث عن العلاج الطبي المتطور، تلك مقومات يجب أن توضع في أجندة الترويج السياحي العلاجي المتخصص، وتلك مهمة وزارة السياحة، إلى جانب ما تمتلكه من مدن للاستشفاء، وفنادق للإعاشة، وأماكن للترفيه، ومنظومة متكاملة من السياحة الثقافية.
ويجب أن يمتد التعاون بين وزارة السياحة والقطاع الخاص، لنرى ما الذي يستطيع تقديمه في هذا الملف، لأن الاقتصاد السياحي أصبح من أسرع القطاعات نمواً في العالم كله، ويكفي أن نشير لإحصاءات عالمية دون تفصيل، فقد بلغ حجم سوق السياحة العلاجية العالمي 104.68 مليارات دولار في عام 2019، ومن المتوقع أن يصل إلى 273.72 مليار دولار بحلول عام 2027، مسجلاً معدل نمو سنوي مركب قدره 12.8 % خلال هذه الفترة، في الوقت الذي ينمو فيه سوق السياحة العلاجية في المملكة بمعدل نمو سنوي يبلغ % 4.6 خلال الفترة 2022م-2028م.
لقد أصبحت السياحة العلاجية من أهم روافد الاقتصاد في العديد من دول العالم، ورغم ما تمتلكه المملكة من إمكانات، أزعم أننا لم نروّج داخلياً عن إمكاناتنا حتى يستفيد بها أبناء الوطن، قبل خوضهم غمار رحلات سياحية مشبوهة في الخارج، تستنزف الأموال، وربما يزهق الأرواح، فلا بد من الترويج الداخلي، وهذا نوع من السياحة، أن تقوم بإغراء السائح السعودي بإمكاناتك، والجدوى الاقتصادية للسائح، وما يعود عليه من فوائد، هذا إلى جانب الترويج الخارجي ضمن الأجندة السعودية السياحية في بلدان العالم كلها، ويكفينا أن نروّج للسياحة العلاجية، والدينية الروحية معاً؛ لنحصل على ما نستحق من تورتة السياحة العالمية.





http://www.alriyadh.com/2086733]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]