لم يكن الاجتماع الأخير للحزب الحاكم في الصين، والذي انعقد الأسبوع الماضي، على مستوى طموحات بعض الخبراء الاقتصاديين الذين توقعوا الإعلان عن مبادرات كبرى تستهدف تصحيح الاقتصاد المتعثر بشكل عام، والتصدي لأزمة العقارات المطولة بشكل خاص، حيث اكتفى بيان اللجنة المركزية بمواصلة تعميق الإصلاحات أو تحديث الصين حتى عام 2029، مما سمح للخبراء بتقديم تفسيرين مختلفين تماماً، ففيما يرى بعض النقاد أن هذا تكتيك يستخدمه الرئيس الصيني شي جين بينج، لتمديد حكمه إلى ما بعد عام 2027، رأى آخرون أنها مناورة لوضع بكين في موقع قوة في حالة تسارع الانفصال التجاري مع واشنطن.
رغم الإعلان عن التوصل إلى أكثر من 300 مقترح إصلاحي، إلا أن هذا الأمر يشوبه الغموض، إذ لم يتم تقديم أي آليات للوصول إلى هدف «التحديث الصيني»، ومن شأن هذا الغموض أن يمنح الرئيس شي الفرصة لتمديد حكمه إلى ما بعد المؤتمر الوطني المقبل للحزب، أي في عام 2027، ووقتها سوف تتمكن إدارته من كسب المزيد من الوقت لاستكمال الإصلاح بغض النظر عن الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد، ومن المؤكد أن بكين سوف تحتفل بالذكرى الثمانين للتأسيس في عام 2029، في جو مختلف تماماً عن الأجواء المتفائلة التي سادت في عام 2019، فقد كانت الصين واثقة من قرب اللحاق بالولايات المتحدة وتجاوزها اقتصاديًا وعسكريًا، ولكن، الوضع تغير الآن بشكل كبير، بعد جائحة كورونا التي أثرت على الاقتصاد الصيني، وانفجار الفقاعة العقارية، التي دعمت المالية لسنوات طويلة.
يُظهر هدف الإصلاح الجديد للصين لعام 2029 قلق السلطات الصينية من القادم المجهول، ولهذا، فإن هدف الإصلاح الصيني لعام 2029 يعد بمثابة إجراء وقائي، وتكتيك ذكي من الحزب الحاكم، لأنه إذا استمر الوضع الحالي من التباطؤ الاقتصادي، فلن يتمكن الرئيس شي من تحقيق إنجازات كافية للتفاخر بها خلال مؤتمر عام 2027، مما يسمح بانتقاده، ومثل هذا الصدع سيوجه ضربة لمحاولة الرئيس شي بالبقاء في صورة ومنصب الزعيم الأعلى للصين، لذلك، تأتي أهمية مناورة 2029، ومع هذا، يجب أن نتذكر أن هدف الإصلاح الصيني تم تحديده بناءً على ترجيح السلطات للسيناريو الأسوأ، وهو الانفصال بين الاقتصادين الأميركي والصيني، عندما يفوز ترمب، وبالتالي، تسعى الصين لتأسيس اقتصاد أكثر اعتماداً على الذات حتى عام 2029.
من جهة أخرى، تعتزم الصين تسريع بناء سلاسل توريد ذاتية الدعم للسيطرة على مخاطر الإمدادات، وهي تستعد من الآن لفوز ترمب وتجرع أربع سنوات أخرى من المعاناة الاقتصادية، وتعتمد الاستراتيجية الصينية على ضرورة الاكتفاء الغذائي، وتوليد الطاقة، وتصنيع أشباه الموصلات، وتعتقد أن الوصول إلى هذا المستوى من الاكتفاء الذاتي سيدعم حلم توحيد تايوان مع البر الرئيس للصين، في الوقت نفسه، تواجه إدارة الرئيس شي صعوبات غير مسبوقة في الداخل والخارج، حيث تتصاعد الضغوط بسبب المشكلات الاقتصادية، ولهذا، فإن الهدف الأكثر وضوحاً للسلطات الآن هو بقاء الصين منيعة أمام الظروف الخارجية، حيث تتوقع أن تخوض البلاد حرباً تجارية شرسة مع الولايات المتحدة خلال الأعوام الأربع المقبلة.




http://www.alriyadh.com/2087398]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]