ينظر الدارسون المعاصرون إلى (عمود الشعر العربي) بوصفه القضية الأولى في النقد القديم، وقلبه النابض كما أرى؛ لشمولها للأسس الشعرية العربية القديمة التي كشف عنها الشعراء المحدثون في العصر العباسي في تطويرهم وتتبعهم؛ لهذا فإن أول من أشهرها وأبانها وتحدث عنها هو الناقد الشهير أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي 370هـ في موازنته بين الطائيَين: أبي تمام العبقري، وتلميذه البحتريّ، ومن خلال النظر في الكثير من المرويات التي تحدثت عن هذه الموازنة رأينا رأي العين ميله وتفضيله للبحتري، حيث أوضح أن من صفاته «حُسن التأني، وقُرب المأخذ، واختيار الكلام، ووضع الألفاظ في مواضعها». بعد ذلك ننتقل إلى الناقد الثاني الشهير في موضوع عمود الشعر وهو القاضي الجرجاني 392هـ الذي أدلى دلوه في هذه القضية وحذا حذو الآمدي، واشترك في عدة عناصر مع صاحب شرح ديوان الحماسة لأبي تمام وهو أبو علي المرزوقي 421هـ الذي اكتملت لديه رؤى سابقيه وتلخصت أمامه الأفكار، ووضع الموازين النقدية في أماكنها، واستقلّ بمنهج تفوّق فيه على سابقيه، وإن شاركه الجرجاني في بعض المواضع والأركان، لكنه استقل بأركانه السبعة التي أعطت عمود الشعر أوضح مكانة وأجل شرح، فعدّها سبعاً، وهي مع شيء من التفصيل: الأول - شرف المعنى وصحته، فكأنه أراد أن العقل يستكره المعاني التي فيها معاظلة وانغلاق، وشرف المعنى لا يكون مع الاضطراب، وسوء الترتيب. الثاني - جزالة اللفظ واستقامته، فجزالة اللفظ قوته، وهو خلاف الركاكة. الثالث - الإصابة في الوصف ويراد بذلك أن يصور الشاعر ما أراد التعبير عنه تصويراً مطابقاً للموصوف. الرابع - المقاربة في التشبيه، أي أن تكون العلاقة بين طرفي التشبيه واضحة ويسهل إدراكها من السامع. الخامس - التحام أجزاء النظم، والتئامها على تخيّر من لذيذ الوزن، والمعنى أن تأتي القصيدة متلاحمة فتكون القصيدة كالبيت والبيت الشعري كالكلمة، والسلامة والبعد عن أي خلل عروضي ضمن هذا الانسجام. السادس - مناسبة المستعار منه للمستعَار له، بما أن طرفي الاستعارة هما في الأصل طرفا التشبيه، وما ينطبق على التشبيه من معايير صالح أيضاً على الاستعارة، فالمقاربة في التشبيه هي المناسبة في الاستعارة. السابع - مشاكلة اللفظ للمعنى، والمشاكلة هنا هي: المماثلة والمرافقة، فعندما يكون الغرض شريفاً ناسبته ألفاظ المعاني الحميدة الرفيعة.
وفي الختام هذا ماكان من حال عمود الشعر عند العمالقة الثلاثة والذين زاد عليهم المرزوقي بأركانه السبعة.
http://www.alriyadh.com/2088497]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]