عندما قرر أبناء غازي القصيبي فواز ويارا إطلاق اسم الجد على وليدهم الثاني، كتب رحمه الله قصيدة "نصيحة إلى غازي الصغير"، يوصي فيها: "الهدوء الهدوء.. تنعم وتسلم، والسكون السكون.. تلق الجوازي!".
وصية عميقة تدعو إلى التأمل في صخب حياتنا اليوم وحجم مشاركتها مع الآخرين، وكأنه -رحمه الله- يعيش أزمتنا الحالية، ونحن نعيش في عالم يُقدر فيه الصراخ والإعلان عن كل تفصيل من تفاصيل حياتنا، سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو في محادثاتنا اليومية، حتى بات العرض المستمر للذات يبدو وكأنه أصبح معياراً للنجاح والسعادة.
لكن القصيبي، بحكمته/ وصيته، يدعونا إلى التساؤل: هل حقاً السعادة تكمن في الظهور والبهرجة، أم أن هناك قيمة مطمورة في الهدوء والسكون؟
في البداية يجب أن نقر أن هناك قوة في الكتمان والعمل بصمت؛ وأن قضاء الحاجات بالكتمان لا يعني الانعزال أو الفرار من المجتمع، بل يعني العمل بجد وإخلاص دون الحاجة لمشاركة كل خطوة نقوم بها، ما يمنحنا فرصة للتركيز على أهدافنا دون الانشغال بردود أفعال الآخرين، مما يؤدي إلى تحقيق النجاح بطريقة أكثر رضا وقناعة.
ولا شك أن الهدوء والسكون قيم تخلق مساحة للنمو الداخلي والتطور الشخصي، وبأننا بالابتعاد عن "الضوء" نفتح المجال لتقدير اللحظات الصغيرة واستشعار الجمال في التفاصيل العادية للحياة، وهذه الفلسفة تدعونا لإعادة التفكير في ما نشاركه ولماذا.
الحياة ليست عرضاً يجب أن نبهر به الجمهور، فما نشاركه مع الآخرين يجب أن يكون اختياراً واعياً، لا نتيجة ضغط الآخرين أو الرغبة في الحصول على التصفيق، ونحن بمحافظتنا على خصوصيتنا نستطيع أن نحمي حياتنا الخاصة ونحافظ على جوهر تجاربنا وذكرياتنا، بينما عندما تكون حياتنا الخاصة مشاعة للجميع فنحن ندعو الجميع للمشاركة وبالتالي نفسد النهايات السعيدة ونبدد فرحتها.
الهدوء هنا لا يعني الانزواء، بل يعني الثقة والرصانة، مع الإيمان بأننا في لحظات الهدوء نجد القوة لنواجه العواصف، مستمدين الحكمة من السكون الذي نعيشه داخلياً، وهذا السكون يعزز من قدرتنا على اتخاذ قرارات مدروسة، ويساعدنا على تجاوز الصعاب بثبات.
والدعوة إلى الهدوء ليست دعوة للانسحاب من الحياة، بل هي دعوة لعيشها بشكل أكثر وعياً وتركيزاً، ففي عالم يزداد ضجيجاً يوماً بعد يوم، يصبح الهدوء ملاذاً يحمي صفاء الذهن والروح، والتمسك به يسمح لنا بأن نكون أكثر حضوراً في حياتنا، وأن نعيش كل لحظة بكاملها، بعيداً عن السعي الدائم لإثبات الذات أمام الآخرين.

أعقل الناس من تأبط صمتاً.. إن في الصمت ذروة الإعجازِ
غازي القصيبي




http://www.alriyadh.com/2089353]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]