العطر والشعور حالة تفاعلية وذكريات خالدة، بل تجد الكثير من الأشخاص يتمسكون بعطر واحد طوال فترة حياتهم لأنه يشكل ذكرى لديهم، وآخرون يميلون لمزج أكثر من عطر ويخلطون بينهم وينغمسون داخل تلك الفقاعة الكيميائية الساحرة والفاتنة، وهنيئًا لمن جعل عطره يسبقه وكان عطره حسن صيته وإحسانه الخالد..
"جيت قبل العطر يبرد.. قبل حتى يذوب في صمت الكلام.. واحتريتك.. كنت أظن الريح جابت.. عطرك يسلم علي.. كنت أظن الشوق جابك.. تجلس بجنبي شوي.. كنت أظن وكنت أظن.. وخاب ظني.. وما بقى بالعمر شي.. واحتريتك"، من رائعة الأماكن للشاعر منصور البلوي المعروف بالشادي، وهكذا يحفظ السعوديون العطر في أشعارهم وذكرياتهم. كتبت كثيراً عن العطور والعود، وأعود اليوم لأتحدث عن تجديد هذه المكانة بعد المنشور التوعوي المتميز الذي نشرته الملكية الفكرية عبر منصة إكس بعبارة "في العطور فنون إبداعية تحميها الملكية الفكرية"، وأوضحت أربع نقاط رئيسة عن ما يعد انتهاكاً للملكية الفكرية للعطور كما يلي: براءة الاختراع من حيث انتهاك التركيبة العطرية التي تنتج عنها الرائحة، الثانية: الأسرار التجارية بالحصول على السر التجاري بطريقة غير مشروعة للتركيبة العطرية، ثالثاً، التصميم: تقليد الشكل الخارجي للعطر، وأخيراً العلامة التجارية: تقليد العلامة التجارية أو استخدامها دون إذن مالكها. واتبعت بكيفية حماية الملكية وأهم الإجراءات التي يتم اتخاذها في حال انتهاك أحد هذه الأركان الأساسية في صناعة العطور.
مواكبة الملكية الفكرية اللافتة للرأي العام والوعي الإعلامي مقدرة وغير مستغربة في عصر رؤية 2030، حيث تسعى المنظمات للإجابة على التساؤلات واحتواء الأزمات قبل وقوعها وإشباع الفضول للمتلقي خاصة المهتمين بقطاع العطور من صناع ومستهلكين، ويكفيك أن تعرف أن سوق العطور في المملكة بلغ حجمه 1.8 مليار دولار ومعدلات نمو سنوية عالية، فإقبال الشباب على العطور من الجنسين مستمر، فالثقافة الاجتماعية لدينا تعزز الطيب والتطيب، وذكرت عدد من المصادر أن المستهلك السعودي نصيبه من العطور يتجاوز اللترين مقابل 300 مل للمستهلك الأوروبي، والسؤال المطروح هنا ما مدى إقبال السعوديين على العطور المحلية؟ وكيف يمكن لصناع العطور المحلية إنتاج المزيد من الأطياب المبتكرة والتي تشبهنا. الحقيقة أنني أميل للاختيار من كافة الموارد العطرية الفرنسية مرة والسعودية مرة والعمانية والإماراتية، فالتنوع في انتقاء الروائح يتأثر بالدرجة الأولى بالذائقة الفردية، وأيضاً جودة العطر، وبالتأكيد ثباته ومناسبته.
وبكل صدق أستطيع أن أراهن على العطور السعودية، ليس من باب التحيز الحميد فقط لكن لأننا أمام تنافس محلي متميز وطاقات متجددة وعقول غير تقليدية لا تقبل بالقليل، وأتصور أننا خلال العشرة أعوام القادمة سنصل لمرحلة مبهرة من الإنتاج المحلي الفاخر للعطور وكم هو مبهج رؤية نجاحات العلامات السعودية وانتشارها في الخليج ودول العالم. الذي اقترحه هو أن تكون هناك مؤتمرات سنوية ومعارض خاصة وثابتة للعطور وأيضاً مركز دراسات للتذوق الفني للمجتمع، بحيث تكون هناك دراسات نفسية عن تأثير العود في كل يوم جمعة في أمزجة السعوديين ودراسات اقتصادية عن إقبال المستهلك المحلي وتحليل أهم العناصر التي يفضلونها، وأيضاً مجلات خاصة للعطور ومستقبلها، بل تخيل لو استطاع الذكاء الصناعي أن ينقل إليك رائحة المكان الذي تشاهده والأحبة والأهل عبر الهاتف، من يدري!
أخيراً، العطر والشعور حالة تفاعلية وذكريات خالدة، بل تجد الكثير من الأشخاص يتمسكون بعطر واحد طوال فترة حياتهم لأنه يشكل ذكرى لديهم، وآخرون يميلون لمزج أكثر من عطر ويخلطون بينهم وينغمسون داخل تلك الفقاعة الكيميائية الساحرة والفاتنة، وهنيئًا لمن جعل عطره يسبقه وكان عطره حسن صيته وإحسانه الخالد. دمتم بخير.




http://www.alriyadh.com/2090627]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]