مع تزايد المؤثرات الخارجية التي تشارك الأسرة في تشكيل شخصيته أصبحت مسؤولية الأسرة التربوية تعاني بعض الصعوبات في التكيف مع هذا التغير في العلاقة التكاملية بين الأسرة والمجتمع.
لعل الاهتمام بهذا الموضوع يجعلنا نطرح ملاحظات عن أساليب التربية التي كان يطبقها الآباء والأجداد حين كانت تلك المؤثرات غائبة.
من ضمن هذه الملاحظات أن الأبناء كانوا يرافقون الآباء إلى السوق والمسجد والسفر ويشاركون في مهام الأسرة وربما في أعمال الزراعة أو غيرها من المهن مثل البيع في الأسواق. الوقت الذي يقضيه الأبناء مع الآباء كان أطول من الوقت الحاضر ولذلك كانت القدوة هي العامل التربوي الأقوى في ذلك الوقت في ترسيخ القيم الإيجابية مقارنة بالنصح والتوجيه والمتابعة وهي الأساليب السائدة في هذا الزمن وهي من وجهة نظر الأبناء غير منطقية. تلك الأساليب قد يكون سببها ظروف هذا الزمن بما فيها ساعات العمل وشح الوقت الذي يجمع أفراد الأسرة رغم أنهم يسكنون في منزل واحد، وكثرة المؤثرات التي تسحب الإنسان إلى عالم آخر بعيداً عن الأسرة حيث أصبح الإنسان يقضي وقته مع أصدقائه أو مع هاتفه الجوال أكثر من الوقت الذي يقضيه مع أسرته حتى التواصل بين أفراد الأسرة داخل البيت يكون عبر الهاتف الجوال، ولم تعد وجبات الطعام تجمعهم، أما النوم المبكر وآثاره الصحية والنفسية الإيجابية فقد أصبح خاصاً بالكبار فقط!
هذا التباعد يضعف تأثير مبدأ القدوة في التربية، ويصبح الحوار بين الوالدين والأبناء حوار عتاب قد يصل حد الغضب وما ينتج عنه من آثار سلبية.
التربية الإيجابية تربية دعم ومشاركة واحترام، تربية عملية عمادها الممارسة فهي بهذا المفهوم تربية تعتمد على مبدأ القدوة، ومع تغير ظروف الحياة أصبحت التربية عملية أوامر وتوجيه وعلاقة تصل أحياناً إلى مستوى التوتر، حتى أن أحد المؤلفين (دين برنيت) الباحث في كلية علم النفس بجامعة كارديف اتجه اتجاهاً متطرفاً فألف كتاباً بعنوان (لماذا يقودك أبواك للجنون)، وهو كتاب موجه للمراهقين يشرح لهم كيفية التعامل مع الوالدين (المتعبين) حسب وصفه. الكتاب من عنوانه كأنما يوجه اللوم للوالدين لكنه لا ينسى الإشارة إلى خبرة ومسؤولية الوالدين وما يقومان به من جهود للعناية بالعائلة وتوفير احتياجاتها. طبعاً المكتبة التربوية حافلة بالكتب التي توضح للوالدين كيفية التعامل مع المراهقين، وهذا النوع من التوجيه لم يكن موجوداً في الماضي لأن أساس التربية كما أشرنا هو مبدأ القدوة.
كل ما سبق لا يختص بمجتمع معين، والحديث عن العلاقة بين الوالدين والأبناء هو حديث عن الحب والتفاهم والتوقعات الإيجابية. الممارسة وليس التنظير تساهم بقوة أكثر في إيجاد بيئة أسرية توفر الأمان للأطفال وتزرع الحب والثقة والرقابة الذاتية لتمد المجتمع مستقبلاً بأفراد يجمعون بين الكفاءة المهنية والقيم الأخلاقية والرغبة والقدرة على الإضافة كل حسب مجاله.




http://www.alriyadh.com/2090629]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]