أمسى التدخين رمزًا للتحدي في وجه صحة العالم، وبات كابوساً وهاجساً تتحطم على سحابات كربونه الأسود أسلحة مكافحته التقليدية، فتزداد حصيلة ضحاياه، وترتفع مؤشرات مريديه، لهاثاً وبأنفاس متقطعة خلفه من أجيال شابة واعدة، كان يُعدها الغدُ قادةً للمستقبل، وللأسف الشديد، أصبحنا أمام مأساة عالمية بدخول أكثر من سبعة وثلاثين مليون طفل من الفئة العمرية 13 - 15 سنة إلى عالم السحابات الكربونية والأنفاس المتهدجة، إلى عالم التدخين، والأرقام في تزايد بشع مع انتشار وسائل التدخين الإلكترونية، ودخولها حيز المتاح أمام الجميع، خاصة النساء والأطفال، وما أخطر دخول التقنيات الحديثة عالم الترويج والإدمان، واستهداف فئات عمرية أقل وعياً، وأكثر عناداً، دون إدراك حقيقي لحرب الإبادة التدخينية التي تقضي سنوياً على حوالي 8 ملايين إنسان، إضافة إلى أكثر من 1,3 مليار آخرين يدخنون سلباً رغماً عن أنوفهم؛ لذا إذا كانت جيوش التدخين تطوّر من أدواتها يومياً، لحصد ملايين الأرواح، ومليارات الدولارات أرباحاً، فما أحوجنا إلى انتهاج طريق التكنولوجيا، والتطبيقات الحديثة، لتصبح بين أيدينا أسلحة مبتكرة تستهدف العقول والقلوب والمشاعر، لهزيمة جيوش التبغ، وإجلائه عن حياتنا مستسلماً.
جميعنا يعلم أن التدخين عدو خفي يتسلل إلى الحياة ببطء، يسرق الصحة والسعادة تدريجيًا، تتجاوز أضراره الرئتين، ليؤثر على القلب، الأوعية الدموية، والجهاز المناعي، ثم الحياة العاطفية، والأدهى من ذلك يرتبط التدخين بعادات اجتماعية فنية وثقافية.
لقد استخدم القائمون على صناعته الابتكار وتقنيات العصر الحديث، فبجانب التطبيقات التي تبيع الأدوية، ستجد تطبيقات تروّج وتؤثر على المتابعين، وتعرض منتجات التبغ بأنواعها، وبأسعار منافسة، بل وتوصيلها للمنازل، وتلك طامة كبرى، حيث يلجأ لتلك التطبيقات "عبر شاشة الجوال" صغار السن من الفئات العمرية 13 - 15 سنة، تحايلاً على المحلات التي تمنع البيع لمن هم أقل من 18 سنة، لذا يجب أن تكون الحملات المناهضة للتدخين فعالة مبتكرة، تستهدف العوامل النفسية والاجتماعية، والأبعاد الإنسانية، بدلاً من الحملات التقليدية، حيث يمكن استخدام تقنيات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR) لإنشاء تجارب مؤثرة تُظهر تأثير التدخين على الجسم بمرور الوقت، فلنتخيل تطبيقًا يتيح لنا مشاهدة التغيرات التي تحدث في الرئتين - مثلاً - أثناء التدخين على مدار سنوات، مع عرض مستقبلي لحالة المدخن عبر سنوات تدخينه.
ويجب ألا نغفل دور الفن، لأنه وسيلة قوية للتعبير والتأثير، فإذا كان المؤلفون والمخرجون يدّعون أن التدخين ضرورة درامية، فيجب أن نتعامل مع هذه الشرائح الفكرية الكبيرة، لاستخدام أدوات درامية، تعبر عن التوتر أو الحالات النفسية للأبطال، بديلاً عن الخمور والتدخين، وما أكثر تلك الأدوات التي يستخدمها بعض صنّاع الدراما في العالم المتقدم في صناعة المسلسلات والأفلام، إضافة لذلك يمكن تنظيم مسابقات فنية تشجع الشباب على التعبير عن آرائهم حول التدخين من خلال الرسم والكتابة والموسيقى، على أن تُعرض تلك الأعمال في معارض متنقلة تجوب المدارس والجامعات، لتعزز الوعي من خلال منظور إبداعي وشخصي، وإذا كانت الدراما تروّج لمنتجات كالمشروبات الغازية وغيرها بطرق غير مباشرة، فلا أجمل أن نتبنى مع مجموعة من صنّاع الدراما، وأن تتبنى وضع رسائل خفية لمكافحة التدخين بشكل غير مباشر، وما أكثر تلك الأساليب الإبداعية.
إذا كانت هناك حالة من التعاطف من المجتمع بدأت مؤخراً بفعل الحملات التوعوية الدعائية مع مدمني المخدرات، فلا يوجد ما يمنع أن تكون هناك حملات إنسانية، تخاطب الحس الإنساني لدى المدخنين، وتُظهر التعاطف معه، بأنه ضحية ظروف أو عادات، أو فكر شاذ، في تلك الحالة نستنفر ما بداخل هذا الإنسان من طاقات إيجابية للإقلاع طواعية عن التدخين.
وختاماً، يجب أن تتضافر الجهود بما يتناسب وحجم التحديات، فقد لا يعلم الكثيرون أن اقتصاد صناعة التبغ ومشتقاته، أضحى اقتصاد حرب، واقتصاديات الحروب التي تقوم بإدارتها عوالم ليست خفية، تحسب حساب كل برامج التوعية التي تقوم بها الدول، وتعد الخطط الاستراتيجية لمجابهتها، بمنتجات مبتكرة جاذبة لشرائح الشباب الصغير، خاصة النساء، وما يتوافق مع تركيبتهن العاطفية، التي تتأثر بمسميات النكهات والروائح الجديدة، والمذاقات المختلفة، بزعم أن تلك المستجدات تضيف للأنثى أنوثة، وللشباب رجولة وتميزاً، ورغبة من الجنس الآخر في التودد إليه، أو الإعجاب به.. إنها حرب شاملة تستلزم إعداداً وتخطيطاً مسبقاً، وأن نكون جميعاً سابقين بخطوة.




http://www.alriyadh.com/2092831]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]