إن الأكثر استفادة في المناظرة الثانية للرئاسة الأميركية 2024م تمثل بالشخصية التي استطاعت توظيف الانقسامات الحزبية لدى الطرف الآخر، وبالمهارة والاحترافية العالية على إظهار الطرف الآخر بالشخصية الضعيفة والمسيطر عليها من الآخرين، وبالحضور المثالي للشخصية القادرة على تحمل أعباء الرئاسة سواءً بالأفعال أو بالطروحات..
شَهد الـ10 من سبتمبر 2024م، المُناظرة الثانية للانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2024م. نعم، فبعد مُضي خمسة وسبعين يوماً على المُناظرة الأولى للرئاسة الأميركية 2024م التي عُقدت بين الرئيس جو بايدن – بصفته ممثلاً للحزب الديموقراطي –، والرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترمب – بصفته ممثلاً للحزب الجمهوري –، تأتي هذه المُناظرة الثانية للانتخابات الرئاسية الأميركية 2024م بين نائب رئيس الولايات المتحدة السيدة كامالا هاريس – بصفتها ممثلاً للحزب الديموقراطي بدلاً من الرئيس جو بادين الذي أعلن انسحابه بعد المُناظرة الأولى – والرئيس الأسبق للولايات المتحدة السيد دونالد ترمب – بصفته ممثلاً للحزب الجمهوري. نعم، لقد حدث تغيير في جانب ممثل الحزب الديموقراطي بخروج الرئيس جو بايدن من السباق الرئاسي ودخول نائب الرئيس كامالا هاريس لتتنافس مع الرئيس الأسبق دونالد ترمب. وهذا التغيير قد يراه البعض مهماً ومؤثراً في فرص الفوز والخسارة، والبعض الآخر قد يراه تغييراً شكلياً لا يتعدى أثره ما سبق سواءً سلباً أم إيجابياً. وأياً كانت مثل هذه الطروحات تجاه التغيير الذي حصل في الحزب الديموقراطي، والتي تعتبر سابقة نادرة الحدوث، هذا إن حدثت من قبل، فإن الأكثر أهمية بالنسبة لمن يراقب سباق الرئاسة الأميركية لعام 2024م يتمثل بمراقبة ومتابعة المُناظرة الثانية للانتخابات الرئاسية 2024م التي عقدت في الـ10 من سبتمبر 2024م وما نتج عنها من طروحات وأفكار ورؤى سياسية واقتصادية واجتماعية وخدمية وغيرها من مجالات متعددة ومتنوعة. فإذا كانت المسألة بهذه المباشرة والوضوح فيما يتعلق بمتابعة ومراقبة مخرجات المُناظرة الثانية للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024م، فهل نستطيع معرفة من الأكثر استفادة من هذه المناظرة الثانية – السيدة كامالا هاريس، ممثلة الحزب الديموقراطي، أم السيد دونالد ترمب؟
نعم، قد تكون الإجابة الدقيقة على هذا التساؤل تتطلب وقتاً أطول وعملاً بحثياً وجهداً فكرياً، إلا أنه يمكننا الخروج بإجابات عامة بناءً على المعطيات التي وفرتها المُناظرة الثانية للانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024م لتُساعدنا في معرفة مَن الأكثر استفادة مِن إجراء هذه المُناظرة وما يأتي بعدها. وإذا كانت هذه المُعطيات تتعدد وتتنوع في درجاتها وعناصرها، فيمكننا الإشارة إلى بعض منها بحيث يُمكننا البناء والقياس عليها حتى نصل لنتيجة فيها الكثير من المنطقية. فإذا أخذنا المعطى المتمثل بالخبرة والمهارة في جانب المُناظرات الرئاسية، فإننا حتماً سنجد السيد دونالد ترمب هو الأكثر خبرة ومهارة من السيدة كامالا هاريس. وهذه الخبرة والمهارة التي يمتلكها السيد ترمب تشكلت عبر المناظرات الرئاسية التي أجراها عند ترشحه للانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016م، والتي استطاع من خلالها التقدم على منافسته وممثلة الحزب الديموقراطي السيدة هيلاري كلينتون، وكذلك من خلال المناظرات الرئاسية المتعددة التي أجراها عند إعادة ترشحه للرئاسية الأميركية عام 2020م. فإذا وضعنا هذه الخبرة والمهارة المتراكمة في المعادلة مع الخبرة والمهارة التي تمتلكها السيدة هاريس، فإننا سوف نجد السيد ترمب يتمتع بالكثير من الخبرة والمهارة السياسية والقدرة على التعامل مع الجوانب الإعلامية مقارنة بالسيدة هاريس التي لم تدخل من قبل مناظرات على هذا المستوى المتقدم من المنافسة. وإذا أخذنا المعطى الثاني المتمثل بمدى معرفة الجمهور الأميركي بالمرشحين لمنصب الرئاسة الأميركية لعام 2024م، فإننا نجد بأن الجمهور الأميركي يعرف السيد ترمب بشكل كبير جداً مقارنة بالسيدة هاريس. وهذه المعرفة الكبيرة بالسيد ترمب تتضمن معرفة سياساته وتوجهاته وأفكاره وطريقة عمله والمتوقع منه حال وصوله لمنصب الرئاسة، بينما تعتبر السيدة هاريس شخصية غير معروفة للجمهور الأميركي على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية وغيرها من مجالات. وهذا الجانب على قدر كبير من الأهمية حيث إن معرفة الجمهور الأميركي بالشخص المرشح لمنصب الرئاسة الأميركية يمنحه الكثير من الفرص مقابل الشخصية غير المعروفة، حيث تعتبر شخصية غامضة وغير معلومة التوجهات مما تثير قلق الجمهور وتدفعه للابتعاد عن تأييدها أو التصويت لها. وإذا كانت شخصية السيدة هاريس غير معروفة وغامضة، فإن الأكثر إثارة لقلق الجمهور الأميركي هو عدم قدرتها على إبراز شخصيتها خلال الأربعة أعوام الماضية وهي تتولى منصب نائب الرئيس الأميركي. فهذه التساؤلات غاية في الأهمية بالنسبة للجمهور الأميركي حتى يتمكن من إصدار قراره بالتأييد من عدمه للشخصية المتقدمة لمنصب الرئاسة. وبالإضافة لهذين المعطيين، فيمكننا أخذ عنصر ثالث وهو المتمثل بالعناصر الشخصية التي يتمتع بها كل من المرشحين لمنصب الرئاسة الأميركية، فإذا أخذنا العناصر الشخصية للسيد ترمب، فإننا نجد أنه شخصية تتمتع بالحضور الكبير والمثالي لمن يفترض أن يكون رئيساً، بينما وفي مقابل هذه الشخصية المثالية للسيد ترمب، نجد في شخصية السيدة هاريس شخصية تغلب عليها البساطة والشعبية مما يجعل منها شخصية شعبية أكثر من كونها شخصية متقدمة لمنصب الرئاسة الأميركية الذي يتطلب الكثير من الرسمية حتى يتمكن من الوصول لقلوب وعقول الجمهور الأميركي بهذا المستوى والصفة مما يمكنه من الحصول على أصواتهم وتأييدهم.
وفي الختام من الأهمية القول إن الأكثر استفادة في المناظرة الثانية للرئاسة الأميركية 2024م تمثل بالشخصية التي استطاعت توظيف الانقسامات الحزبية لدى الطرف الآخر، وبالمهارة والاحترافية العالية على إظهار الطرف الآخر بالشخصية الضعيفة والمسيطر عليها من الآخرين، وبالحضور المثالي للشخصية القادرة على تحمل أعباء الرئاسة سواءً بالأفعال أو بالطروحات. نعم، قد تتضمن المناظرات الرئاسية الكثير من الطروحات والأفكار والرؤى في مختلف المجالات، إلا أن الأكثر تأثيراً في قرارات وتوجهات الرأي العام يتمثل في الشخصية المتزنة والرصينة، وذات الخبرة والمهارة، القادرة على الوصول والتأثير في قلوبهم ومشاعرهم قبل عقولهم. نعم، هذه هي الأدوار التي تمثلها وتقدمها المُناظرات الرئاسية للرأي العام، أما السياسات والاستراتيجيات فلها مستوياتها ومجالاتها ورؤاها التي تتناسب مع أهميتها ومكانتها العليا وأبعادها العميقة.




http://www.alriyadh.com/2093932]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]