في محاولة للبحث عن مفهوم نهرب إليه من الألم، كان مفهوم اللذة بانتظاري، وما بينهما، تتشكل فيه الكثير من القرارات وتبنى، تجوّلت مرّة بين السطور فتوقفت على جملة: يتشافى المرء بأصدقائه، أي: أن الأصدقاء بقيمتهم في حياتنا يرممون ما مضى، وهم أنس اللحظة، والدافع الذي يعين على مواصلة المسير. في نظر من كتب تلك الجملة: يشكل الأصدقاء مفهوم اللذة، ويقفون حاجزًا بينه وبين الألم، مع أن الألم من الأصدقاء قد يداهمنا في عثراتهم الكلامية، وانفعالاتهم المزاجية، التي لا تخلو منها علاقة إنسانيّة، وربما دفعتنا رؤية الجانب المظلم من صديق إلى إقصاء القرب وإلغاء الود هروبًا من فكرة الألم، وانتقامًا من تسلله الغادر إلى قلوبنا التي كانت مشبعة بلذة المؤانسة والوجود الجميل.
هنا أتساءل: أليس كما يقال "الغنم بالغرم"؟ ألا يمكن أن نستقرئ الكثير من الأشياء التي تشعرنا باللذة لنجد أنها تحمل نصيبًا موازيًا من الألم؟ فالحديقة التي تجولت فيها حينما حلّ الربيع، عدت إليها ذات خريف لينال من ثوبي التصاق الأشواك، ويزعجني تكسر الأوراق الذي كان يداهم خطواتي، بدت في فصل آخر وقد تساقطت أوراقها بفعل الصقيع، واستحالت إلى جذور خاوية، تشعرني بالفناء أكثر من الدفء، فتساءلت: ماذا لو امتنعت عن زيارة هذه الحديقة حتى حينما يحلّ الربيع مجددًا؟ نتيجة لما قدمته إليّ في باقي الفصول؟ هل من أجل الفرح الغامر.. لا بد من تقبل الحزن الظاهر؟
حينما نتجنب الألم، قد نمتنع عن تقبل بعض فرص اللذة، كشخص جديد واعد بالفريد لكن من الممكن أن يكون عثرة من عثرات الحياة، وجعًا داهمًا من أوجاعها، كأننا حينما نختار الاقتراب أو البعد، نعيش رهانًا يحتمل النجاح والفشل، اللذة والألم.. تتجه كل معززاتنا الذهنية وخبراتنا الحياتية لاختبار مدى قرب هذا الشخص من الجانبين، هل سيمنحنا لذة الوصل والاقتراب أم يجب علينا تجنبه هروبًا من المزيد من الخيبة والألم؟
رغم كل هذا الحذر، لا مفر، لكل منّا قصته التي يحكيها عن الألم، وذكرياته التي تغمرها اللذة، على صعيد الاهتمامات المتنوعة، يتلازم الألم مع اللذة في كلّ منها، لذة النجاح في مشروع تجاري، هي ذاتها مخاطر الفشل التي دفعنا ثمنها في تأمين إدارة الأزمات، والاحتياطات، أو أن يدفع هذا الثمن بسبب تحقق هذه المخاطر والأزمات وحدوثها، في تجربة الزواج، قد يجتاز الخاطب عتبة الحيرة إلى يقين المبادرة، يقفز دون تأكيدات كاملة في دائرة الآخر، محاولاً أن يشعر بذاته في حياة المسؤولية والالتزام الأخلاقي، يعيش جانب اللذة حتى يندم على تأخير الخطوة، وجانب الألم حينما يتساءل عمّا أوقعه في هذه الورطة المليئة بالفوارق بين الخيال والواقع!
في نهاية المطاف، ربما أصبحنا نحتاج إلى مواجهة ما نخافه أكثر من الهروب منه، نحتاج... إلى التمعن مليّاً فيما يدفعنا للخوف، لأن الخوف من الألم قد يكون بوابة إلى غامر اللذّة.
*كاتب وقاص سعودي




http://www.alriyadh.com/2094081]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]