بعد ربع قرن من الأموال السهلة للغاية، يكافح المستثمرون في الوقت الراهن من أجل تحديد المسار المستقبلي للسياسات النقدية، وأبرز مثال على ذلك، استمرار لعبة شد الحبل بين البنك المركزي الأميركي، ونظراؤه في آسيا، ففي بداية عام 2024، كانت أغلب البنوك المركزية الآسيوية تنتظر خفض أسعار الفائدة لتحفيز الإنفاق الاستهلاكي والنمو، إلا أنه كان من الصعب عليها القيام بخطوة استباقية قبل الاحتياطي الفيدرالي، الذي خفض أخيراً، أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، في محاولة منه لتوجيه الاقتصاد الأميركي نحو الهبوط الناعم، وإذا كان هذا التيسير النقدي يوفر المزيد من الحرية للبنوك الآسيوية لكي تحذو حذو الفيدرالي، إلا أن المؤشرات تؤكد أنها لا تتعجل دورة خفض الفائدة، عكس ما أرادته تماماً في بداية العام.
رغم قدرة البنوك المركزية الآسيوية على مجاراة الفيدرالي، بخفض أسعار الفائدة، إلا أنها تمتنع حاليًا عن اتخاذ هذه الخطوة، وتفضل بدلاً من ذلك مراقبة قرارات الاحتياطي الفيدرالي والتقلبات الخارجية، مع اتباع نهج تدريجي في اتخاذ القرارات، وعلى سبيل المثال، يتوقع أن يواصل بنك اليابان موقفه الحذر بسبب العوامل الخارجية، وعلى رأسها انتخابات الرئاسة الأميركية خلال نوفمبر القادم، إذ قد تؤدي هذه الانتخابات إلى تقلبات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك احتمال فرض المرشح الجمهوري دونالد ترمب رسومًا جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات، ورسوم جمركية بنسبة 60% على الواردات الصينية، ولهذا، تتبنى غالبية المؤسسات المصرفية في آسيا نهجًا متحفظًا يتمثل في خفض أسعار الفائدة بشكل تدريجي.
بالنظر إلى العلاقة بين خفض الفائدة وآفاق النمو، فإن توقعات الناتج المحلي الإجمالي لدول الآسيان تبدو مشجعة، إذ من المتوقع أن ينمو بنسبة 4.7% في العام القادم، وبناءً على هذه التوقعات الإيجابية، قد يكون خفض أسعار الفائدة محدودًا بنحو 25 نقطة أساس كل ربع سنوي، أما في الولايات المتحدة، فإنه من المتوقع أن يخفض الفيدرالي الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس بنهاية العام الجاري، و125 نقطة أساس في عام 2025، وبخلاف ماليزيا، التي تشكل حالة استثنائية بين دول جنوب شرق آسيا، حيث يتوقع أن يحافظ البنك المركزي الماليزي على أسعار الفائدة ثابتة عند 3% حتى العام المقبل، بفضل استقرار التضخم وقوة النمو، فليس هناك أي نوع من الاستعجال لدى بقية البنوك الآسيوية في خفض الفائدة.
لو تعمقنا أكثر، في الاقتصادات الآسيوية الرئيسة، الهند والصين، سنلاحظ تأثير خفض الفائدة الأميركية بشكل مختلف، ففي الهند، تقدم تخفيضات الفيدرالي بعض الإغاثة، لكن نيودلهي تعتمد بشكل أكبر على قوتها الاقتصادية المحلية، لذلك، من المتوقع أن يحافظ البنك المركزي الهندي على أسعار الفائدة عند 6.5% في أكتوبر، ومع ذلك، قد يؤدي انخفاض أسعار الغذاء والنفط إلى تخفيضات في ديسمبر، أما في الصين، فقد رأينا كيف تحدى البنك المركزي التوقعات، وذلك عبر الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، بالرغم من أن التباطؤ الاقتصادي كان يستلزم اتخاذ إجراءات تحفيزية مثل خفض أسعار الفائدة، بعد تراجع معظم المؤشرات الاقتصادية بشكل شهري، والتي أدى تعثرها إلى تصاعد مخاطر الانكماش.




http://www.alriyadh.com/2096103]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]