النقد الرياضي بواقعه الحالي يقوم بدور سلبي؛ فهو لا يقدم محتويات تستفيد منها الأندية بسبب افتقاره للموضوعية، والسلبية الأكثر ضررًا هي تشويه صورة النشاط الرياضي والترويج لفكر "يشيطن" النجاح، وطرح فكر لا ينتمي للتقييم العلمي، وتبرير حالات الفشل بمبررات غير منطقية..
لن أتحدث عن الإعلام الرياضي بشكل عام لأنه منظومة شاملة تتضمن تفرعات كثيرة، الحديث في هذا المقال عن جزء من هذه المنظومة وهو النقد الرياضي، وخاصة ما يتعلق بكرة القدم، هذا النقد الذي يأتي للمتلقي عبر الإذاعة أو التلفزيون أو وسائل التواصل الاجتماعي أو المقالات الصحفية، وهو مع الأسف نقد في معظمه غير مفيد لأنه نقد تسيطر عليه الميول وبالتالي يفقد أهم شروط النقد وهو شرط الموضوعية، من الطبيعي ومن حق الناقد أن تكون له ميول، ولكن الناقد الناجح المفيد هو الذي يلتزم بالمهنية ويتحرر من قيود الميول، هذا الناقد الذي ينشد الحقيقة وليس الإثارة هو الحالة الاستثنائية! من أهم أسس النقد الموضوعي أن يكون الناقد محايدا وأن يبتعد عن الشخصنة، ويتجنب اللغة التي تفتقد إلى الاحترام. النقد الموضوعي نقد للعمل وليس للأشخاص، هو نقد يشخص الواقع ويقترح الحلول، النقد الرياضي بهذا المفهوم لا يزال البحث عنه جاريا!
ليس في هذا مبالغة؛ فالملاحظ على كثير من الحوارات الرياضية التلفزيونية أنها عبارة عن مناكفات لا علاقة لها بالنقد وتخضع فيها الآراء حول أداء الفرق وأداء اللاعبين وأداء الحكام للميول وليس لمبادئ النقد والمعايير الفنية المعروفة في مجال كرة القدم، ولهذا تكثر فيها المتناقضات حول حالات متشابهة تبعا لضغط الميول.
هذه الحوارات -وهي لا تستحق هذا المسمى- ينتصر فيها من يرفع الصوت، ومن ينكر الحقائق، ومن يوجه الاتهامات، ويشطب الإنجازات، هذا الانتصار انتصار مؤقت يحقق بعض المتابعين الذين يميلون لنفس النادي الذي يميل له الناقد، بعض النقاد يجيدون السباحة في بحر الاتهامات والإشاعات وتتم استضافتهم في الحوارات الرياضية بحثا عن الإثارة وليس عن الفائدة، المحتوى محصور لدى بعض النقاد في موضوعات موسمية ثابتة عنوانها التشكيك في التحكيم والجدولة واللجان والقرعة وليس من ضمنها الحديث عن العمل الإداري والتدريب واختيار اللاعبين، وبيئة العمل والخطط الاستراتيجية للنادي، والسياسيات المالية والاستثمارية.
هذه الحوارات -وهي مبارزة بين مشجعين بقبعات إعلامية- أصبحت تشبه المسرحيات الكوميدية، يحاول فيها بعض المشاركين كسب أكبر قدر من التصفيق، المسرحية مضحكة ومؤلمة في الوقت نفسه لأن الممثلين يتنافسون في رفع الصوت ومستوى الطرح السطحي وفي إضحاك الجمهور وفي القدرة على تحويل الحقائق إلى أكاذيب بطرح إنشائي! هذا التنافس أو المناكفات موجودة أيضا في المقالات الصحفية، وهي أكثر فوضوية في وسائل التواصل الاجتماعي، لغة الأرقام والحقائق الموثقة لا تعني شيئا للناقد أسير الميول فهو بكلمة واحدة يلغيها من الوجود!
الناقد (المشجع) لا ينتقد اللاعب إذا أخطأ بحق فريقه كأن يتسبب في ضربة جزاء أو بطاقة صفراء أو حمراء، ولكنه بدلا من ذلك يحتج على القانون ويتهم الحكام ويتعدى ذلك إلى اتهام الجهاز الرسمي وتضليل الجمهور بمبررات وهمية. الناقد غير الموضوعي تتأثر آراؤه وحتى توقعاته بميوله؛ فهو مثلا يصف أحد اللاعبين بأنه أسطورة إذا كان يلعب لناديه ويصفه بأنه نجم من ورق إذا كان يلعب لناد منافس! وهو بهذا الفكر ينطبق عليه قول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
النقد الرياضي بواقعه الحالي يقوم بدور سلبي؛ فهو لا يقدم محتويات تستفيد منها الأندية بسبب افتقاره للموضوعية، والسلبية الأكثر ضررا هي تشويه صورة النشاط الرياضي والترويج لفكر "يشيطن" النجاح، وطرح فكر لا ينتمي للتقييم العلمي، وتبرير حالات الفشل بمبررات غير منطقية. الناقد غير الموضوعي -مع وجود حالات استثنائية- لا يسلط الضوء على العمل الإداري كأهم عامل من عوامل النجاح ولكنه بسبب خضوعه للميول يلجأ إلى مستودع التبريرات، والصحيح مستودع الاتهامات الجاهزة التي تربط النجاح بأسباب لا تستفيد منها الأندية التي تبحث عن التقدم نحو الأفضل. الناقد غير الموضوعي لا يفيد النادي الذي يميل إليه لأنه لا يشخص حالات الفشل ثم يقترح الحلول وإنما يبحث عن مبررات أبرزها اسقاط أسباب الفشل على عوامل خارج الملعب وخارج أسوار النادي. الناقد غير الموضوعي يدافع عن الفشل "ويشيطن" النجاح! لقد تحولت ساحة النقد الرياضي إلى مبارزة كلامية بين ممثلي الأندية (النقاد)، وكل ممثل يزعم أن ناديه مظلوم ومستهدف، هذا مسلسل بلا نهاية، وهو من مسببات التعصب الرياضي.
أخيرا، يمكن القول إن دور النقد الرياضي التطويري المنتظر -في واقعه الحالي- لن يتحقق لأنه الحلقة الأضعف في منظومة الإعلام الرياضي.
http://www.alriyadh.com/2098298]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]