أشارت إحصاءات 2022 أن سبعة من كل عشرة أشخاص في العالم يأخذون أخبارهم من السوشال ميديا، ما يعني أنها تسهم في صياغة أفكارهم، وفي توظيفهم كــرافعة لتسويق أمـــور مرفوضة في مجتمعاتهم، والأصعب هو وجود 33 % من سكان العالم، بما في ذلك المنطقة العربية بأكملها، يعطون أبناءهم أجهزة الآيباد، لإشغالهم أو التخلص من إزعاجهم..
نشرت مجلة (الصحة العقلية) الأميركية دراسة مزعجة في العام الجاري، تناولت فيها إدمان الإنترنت وتأثيراته، ولاحظـــــت أنه يغيـر في كيمياء المـــخ، وقد يـــؤدي إلى الإدمان على الكحوليات والمخــدرات، والدراسة تابعت قرابة ثلاث مئة شخص، لعشرة أعوام، ممن تراوحت أعمارهم ما بين عشرة أعوام وتسعة عشر عاماً، وأظهرت في نتائجها، التي اعتمدت على التصــــوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، أن الاستخدام المبالغ فيه للإنترنت، يؤثر على كل الشبكات العصبية في الدماغ، ويخفض من درجة تواصل أجزائه المرتبطة بالتفكير واتخاذ القرارات والذاكرة، بخلاف إبقائه المخ نشطا حتى في أوقات الـراحة، وما يحدثه من مشــــاكل في الأكل والنوم، وتوصــلت دراسة أجرتها شركة (مايكروسوفت)، إلى أن الجيل المعروف بـ (زد) لا تتجاوز فترة تركيزه عن ثمانية ثوان، بينما كانت المــــدة في الأجيــــال السابقة تمتد لثــلاث دقائق في المتوسط، ما يفسر الإقبال الكبير على المقاطع القصيرة، وتحديدا في السوشال ميديا، ولكنـــه يعني أنهم سيعانون في الدراسة والعـمل، وربما فقـــــدوا فرصتهم في إكمال التعليم، أو الاستمرار في الوظيفة.
في عام 2020 أنتجت منصة (نتفليكس)، الفيلـم الوثائقي (معضلة السوشال ميديا)، وهو يركز على التأثيرات السلبية لمن يستخدمون هذه المنصات بإفراط، ويعرض لشهادات مديرين ورؤساء أقسـام عملوا فيها، وكلهم استقالوا من أعمالهــــم لأسبــاب أخلاقية، أو لإحساسهم بأن ما يفعلـونه فيه تلاعب بعقول الناس، وبالأخص خلال الربيع العربي، الذي استفاد من التفضيلات والمتابعات، واستغلها في خلق تصور مغلوط، عن وجود اتفاق عام حول أحداث معينة، استناداً لأرقام المشاهدات والإعجابات وبقية محفزات الدوبامين، وما سبق غير صحيح، لأن ما ينشر قد يكتب ويشاهد ويعجب به ويعلق عليه، من جنسيات غير عربية، أو من أجهزة استخبارات معادية، والسابق تم بفعل ما يعرف بـ (متلازمة الفقاعة)، والتي تعمـــــل على تــــزويد الشخص بمواد مشابهة لما يستهلكه ويشاهده، ولا تهتـــم بمحتواها أو ما تدعوا إليه، وعنـدما قام أحد العاملين في واحدة من المنصات الاجتماعية، في ذلك الوقت، بأخبار مديره أن ما يتم نشره يشكل خطورة، ولا بد من إيقافه، قام الثاني بفصله.
المسألة ليست بالتأكيد، فقد دفعت شركة (فيسبوك)، في فترة سابقة تعـويضات تقدر بنحو 85 مليون دولار، لمن يعملون على تقنين المحتوى المنشور لديها، والسبب الضرر النفسي الذي أصابهم بسبب طبيعة أعمالهم، والأمـر لا يتـــــوقف عندهم، ويمتــــد لسلـوكيات تخص المستخـدمين، كإدمان التسوق الإلكتروني، وهوس المراجعة المتكررة للإيميلات ومنصات السوشال ميديا، ولكل الفئات السنية دون استثناء، وثبت بالدليل العلمي، قيام الشخص الواحد برفع جواله لمشاهدته، بمعدل يتجاوز 2700 مرة في اليوم، و100 مرة في الساعة، ومرتين في الدقيقة، وهذا يمثل كارثة فعلية، وحالة إدمانية لا يمكن السكوت عليها.
فيما أشارت إحصاءات 2022، أن سبعة من كل عشرة أشخاص في العالم، يأخذون أخبارهم من السوشال ميديا، ما يعني أنها تسهم في صياغة أفكارهم، وفي توظيفهم كــرافعة لتسويق أمـــور مرفوضة في مجتمعاتهم، والأصعب هو وجود 33 % من سكان العالم، بما في ذلك المنطقة العربية بأكملها، يعطون أبناءهم أجهزة الآيباد، لإشغالهم أو التخلص من إزعاجهم، و40 % من هذه النسبة لا تراقب ما يشاهدونه أو يتصفحونه عليها.
لا يوجد حل لفرملة هذا الســـلوك، إلا عن طريق تقنيــــن استخــــدام الإنتـــرنت، كمــا فعلت الصين، التي أصدرت قانونا في أواخر 2023، يمنع من تقل أعمارهم عن 18 عاماً من استخدام الإنترنت على جوالاتهـم، وذلك في الفترة ما بين العاشرة مساء والسادسة صباحا، وسمحت بـ 120 دقيقة لمن في السادسة عشرة والسابعة عشرة، و بـ 40 دقيقة للأطفال دون الثامنة، وربطت دخول مواطنيها إلى الألعاب في أميركا برقم الهوية، ولمدة أربع ساعات لا أكثر، ومنصات السوشال ميديا وألعـــــاب الأونلاين، كلها تعتمــــد على مدرسة (التصميم المقنع)، التي وضعها البرفيسور الأميركي (بي جي فروغ) من جامعة ستانفورد في التسعينات الميلادية، وهو من أسس وقعد لفكرة تصميم أشياء تؤثر في تصرفات الناس وممارساتهم.
بالإضافة إلى أن الجامعات الغربية تعمل على إدخال الأخلاقيات التقنية، ضمن المناهج التي يدرسها مهندسو تقنية المعلومات، وبما يسهم في تخريج مصممين ومبرمجين أخلاقيين، ويوجد تفكير مشابه في الجامعات السعودية، والاستثمار في الأخلاقيات البرمجية من مستهدفات رؤية المملكة، والتي تعمل على تحويلها لماركة مسجلة باسم المبرمج السعودي، والنموذجان السعودي والأميركي، يعملان على معالجة إشكالية الفلسفة الأخلاقية المعروفة بـ (العربة المتدحرجة)، وأيهما أحق بالإنقاذ، منصة السوشال ميديا ومحتواها ومكاسبها، أم من يفضلون استخدامها على حساب كل الأشيـــــاء المهمة في حياتهــــم، وبما يحقق الوصول إلى (الاتزان الرقمي) في الحالتين، خصوصا أن منظمة الصحة العالمية، سلمت بالاستعمال المفرط لألعاب الأونلاين، وأن هناك أشخاصا يتسمرون أمامها لمدة عشــرين ساعة فـــي اليوم، وفي عام 2019، تم إدراج (اضطراب الألعاب) في التصنيف الدولي للاضطرابات العقلية.
http://www.alriyadh.com/2098844]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]