علمني التاريخ ودراسته أن ظهور القادة العظماء على مسرح الأحداث يكون مقدراً وفق التدبير الإلهي لهذا الكون، ويكون هذا التقدير من ناحية الشخص المُختار، والمكان، والزمان. وهنا تكمن مهمة المؤرخ المتميز في التقاط مثل هذه الفترات وإبرازها لا سيما عندما يكون هذا القائد متعدياً الأدوار والنفع التاريخي بما يتجاوز حدود وطنه، ويبرز مؤسس هذا الكيان الشامخ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- كمثال على القائد الذي قدر الله وجوده في مرحلة مفصلية ليس من مراحل تاريخ الجزيرة العربية فقط، بل ومن تاريخ الإسلام.
ويكفينا هنا التركيز على وضع الحرمين الشريفين وزوارهما قبل استرداده -يرحمه الله- لملك آبائه وأجداده. لقد كانت رحلة الحج مأساة بكل المقاييس، فالذاهب للحج مفقود والعائد مولود، ولم تكن المعاناة من انعدام الأمن محصورة في رحلة الحج، بل ينعدم الأمن داخل المشاعر المقدسة نفسها، ولقد عطلت العديد من البلدان الإسلامية أداء هذه الشعير المهمة التي تمثل الركن الخامس من أركان الإسلام، يقول الشاعر أحمد شوقي عن هذه المعاناة التي وصف فيها الركن الخامس من أركان الإسلام بأنه "ينهدم":
ضَجَّ الحِجازُ وَضَجَّ البَيتُ وَالحَرَمُ
وَاِستَصرَخَت رَبَّها في مَكَّةَ الأُمَمُ
أَفي الضُحى وَعُيونُ الجُندِ ناظِرَةٌ
تُسبى النِساءُ وَيُؤذى الأَهلُ وَالحَشَمُ
وَيُسفِكُ الدَمُ في أَرضٍ مُقَدَّسَةٍ
وَتُستَباحُ بِها الأَعراضُ وَالحُرَمُ
الحَجُّ رُكنٌ مِنَ الإِسلامِ نُكبِرُهُ
وَاليَومَ يوشِكُ هَذا الرُكنُ يَنهَدِمُ
عَزَّ السَبيلُ إِلى طَهَ وَتُربَتِهِ
فَمَن أَرادَ سَبيلاً فَالطَريقُ دَمُ
ومع أن الشاعر قد وجه قصيدته للسلطان العثماني عبدالحميد الثاني إلا أن الأمر لم يتغير، فالسلطان العثماني كان ينظر للحرمين كرمز لشرعية خلافته المزعومة فقط، ولكن الله سبحانه وتعالى قد قيض لهذه الأرض المباركة وللإسلام وأركانه صقر الجزيرة الذي جاء ونصب عينيه توفير الأمن لا سيما للحرمين وزوارهما، مما جعل رحلة الحج -ولله الحمد- وطقوسه نعمة على الحاج وأهله بعد أن كانت نقمة، يقول الشاعر محمد بن عثيمين:
عَبدُالعَزيزِ الَّذي نالَت بِهِ شَرَفاً
بَنو نِزارٍ وَعَزَّت مِنهُ قَحطانُ
مُقَدَّمٌ في المَعالي ذِكرُهُ أَبَداً
كَما يُقَدَّمُ بِاِسمِ اللَهِ عُنوانُ
مَلكٌ تَجَسَّدَ في أَثناءِ بُردَتِهِ
غَيثٌ وَلَيثٌ وَإِعطاءٌ وَحِرمانُ
خَبيئَةُ اللَهِ في ذا الوَقتِ أَظهَرَها
وَلِلمُهَيمِنِ في تَأخيرِها شان
وَدَعوَةٌ وَجَبَت لِلمُسلِمينَ بِهِ
أَما تَرى عَمَّهُم أَمنٌ وَإيمانُ
وبالفعل عم الجزيرة والحرمين الشريفين منذ عهد المؤسس -طيب الله ثراه- أمن وإيمان ساعدهم على القيام بواجبات دينهم بيسر وسهوله. واليوم يسير خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله- على خطى المؤسس في الاهتمام بالحرمين وزوارهما وفق رؤية المملكة 2030 والتي يقع منها هذا الموضوع موقع القلب من الجسد.




http://www.alriyadh.com/2099150]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]