من الأهمية القول إن قواعد الصراع التقليدية التي اعتادت عليها المنطقة قد تغيرت لصالح الطرف الأكثر جاهزية فكرية وعلمية، والأقدر على قراءة ودراسة التاريخ البعيد والقريب، حتى أصبح قادراً على تنفيذ أهدافه ومخططاته واستراتيجياته، بينما خسر أولئك الرافضون للتغير والتطوير والأفكار الحديثة..
في الـ 13 من أكتوبر 2024 "قال المتحدث الإعلامي باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الميجور جنرال باتريك رايدر في بيان: إن الولايات المتحدة سترسل نظاما متقدما مضادا للصواريخ إلى إسرائيل، وسترسل قوات أمريكية لتشغيله للمساعدة في تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية، وأضاف باتريك رايدر في بيانه، أن ذلك يأتي في أعقاب الهجمات الإيرانية غير المسبوقة ضد إسرائيل في 13 أبريل الماضي، ومرة ​​أخرى في 1 أكتوبر الجاري".
كذلك، وقد أكد الخبر الذي نشره موقع CNN، على الآتي: بأن "نشر قوات أميركية إضافية في إسرائيل أمر ملحوظ وسط تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، ومع استعداد المنطقة لهجوم إسرائيلي محتمل على إيران يمكن أن يؤدي إلى استمرار تصعيد الأعمال العدائية، وأضاف أن نظام "ثاد" مخصص أساسًا للدفاع الصاروخي ضد الصواريخ الباليستية، ويمكنه أن يساعد إسرائيل في الدفاع عن نفسها بشكل أفضل ضد أي هجوم إيراني مستقبلي، إذا قررت إيران الرد على أي ضربة إسرائيلية، كذلك فقد عزز الجيش الأميركي بشكل كبير من تواجده في الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023، عندما هاجمت حماس إسرائيل، كما عززت الولايات المتحدة دفاعاتها الجوية في جميع أنحاء المنطقة، ونشرت سفنا حربية وحاملات طائرات إضافية في شرق البحر المتوسط ​​والبحر الأحمر وبحر العرب، وأرسلت مؤخرًا قوات إضافية إلى قبرص للمُساعدة في خطط إجلاء محتمل، حسبما ذكرت شبكة CNN في وقت سابق".
فإذا أخذنا هذه المعلومات المُؤكدة ووضعناها محل التحليل، فإننا نجد أنفسنا أمام مرحلة جديدة من مراحل الصراع، ومختلفة تماماً عن تلك التي ابتدأت في الـ 7 من أكتوبر 2023. وهذه المرحلة الجديدة من الصراع في المنطقة ابتدأتها دولتان إقليميتان وهما إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى. نعم، فعلى الرغم من أن كلا الدولتين تعملان على التبرؤ من الاتهام بأنها المتسبب ببداية الصراع، أو على أقل تقدير بتوسيع دائرة الصراع في المنطقة، وتبرران عملياتهما المُسلحة بأنها ردة فعل على الممارسات المسلحة للطرف الآخر، إلا أنهما -إسرائيل وايران- فاعلان رئيسان في الصراع المسلح المستمر والقائم في المنطقة مُنذُ الـ 7 من أكتوبر 2023، وكذلك متسببان رئيسان في حالة التصعيد القادمة والتي تمثل بداية لمرحلة جديدة من مراحل الصراع المسلح حيث التصعيد نسبة الخطورة أكثر مما سبق، ودائرة الصراع أكبر مما كان، وعدد المُتداخلين أو الداعمين لكل طرف سوف يتصاعد بشكل محدود.
نعم، إننا أمام مرحلة جديدة من مراحل الصراع في المنطقة حيث إسرائيل تدعو لتصعيد عملياتها العسكرية بعيداً عن حدودها الجغرافية، بحيث تستهدف إيران، بناءً على ادعاءاتها القائلة إن قرارها يأتي كردة فِعل على الهجمات الإيرانية المُتكررة التي استهدفتها في أبريل وأكتوبر 2024م، في الوقت الذي تذهب فيه الادعاءات الإيرانية المُتكررة بأن هجماتها تجاه إسرائيل جاءت كردة فعل على الهجمات الإسرائيلية المُتكررة التي استهدفت المصالح الإيرانية في الداخل والخارج، بالإضافة لسعيها في نصرة عناصرها وعملائها في غزة ولبنان.
وبعيداً عن التبريرات التي يرفعها الإسرائيليون والإيرانيون حول من المتسبب في التصعيد المسلح في المنطقة، فإن المؤشرات القائمة تؤكد أن المنطقة أمام مرحلة جديدة وصعبة وخطِرة من مراحل الصراع في عامها القادم، وهو العام الثاني من أعوام الصراع التي ابتدأت في الـ 7 من أكتوبر 2023. وهذه الصعوبة في مرحلة الصراع القادم تتأكد عندما نرى التحركات التي تؤكد الاصطفاف المُعلن، والتأييد الكامل والمُستمر على جميع المستويات، والحراك السياسي والأمني والعسكري، سواءً لجانب إسرائيل من قبل حلفائها التقليدين في المجتمع الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، أو لجانب إيران من قبل عُملائها ومُرتزقتها من عناصر وتنظيمات وجماعات وميليشيات في لبنان والعراق واليمن وسورية، بالإضافة للمُتعاطفين معها من أعداء الولايات المتحدة الأميركية. نعم، قد يكون ميزان القوى يميل لصالح إسرائيل بحكم قدراتها ومكانة حلفائها الدوليين، إلا أننا فعلاً أمام تكتلين مُسلحين ومُتنافسين على الهيمنة والنفوذ الإقليمي حيث يسعى فيها كل تكتل لتنفيذ مخططاته واستراتيجياته بما يتناسب وأهدافه السياسية والأمنية والعسكرية. فإذا كانت هذه الافتراضات قائمة في المرحلة الثانية من مراحل الصراع، فمن هو التكتل العسكري الأكثر إمكانية وقدرة على تنفيذ أهدافه ومخططاته واستراتيجياته؟
إن الإجابة على هذا التساؤل يجب أن تقوم على معايير، وإن كانت محدودة في عددها وعامة في معطياتها، بدلاً من الاجتهادات البسيطة القائمة على العاطفة بمختلف مستوياتها وأشكالها. وإذا كانت معايير درجة ونوعية التسليح، وقوة وقدرات الحُلفاء، تؤثر تأثيراً مُباشراً في نتيجة الصراع، إلا أن هناك معايير أخرى ذات أهمية في حالة الصراع بين التكتل الإسرائيلي والتكتل الإيراني، وهذه المعايير المهمة تتمثل في:
أولاً: التحكم بقواعد الصراع، ففي حالة الصراع القائم، نجد أن إسرائيل هي من يتحكم بقواعد الصراع ويتمثل ذلك بقدرتها على التصعيد متى شاءت أن تصعد، واختيار الأهداف التي تريد استهدافها متى قررت، وتوسيع دائرة الصراع في الوقت الذي يناسبها. فإسرائيل تبنت سياسة مختلفة تماماً عما كانت عليه في حالة الصراع مع الجماعات والأحزاب في غزة ولبنان. فبعد أن كانت في السابق تستجيب لحالة الصراع وتتوقف بعد مدة قصيرة لاعتبارات سياسية، نجدها في الوقت الراهن تبنت سياسة جديدة تمثلت برغبتها، بداية، في الاستمرار في حالة الصراع حتى القضاء على قدرات الجماعات والأحزاب المسلحة، وكذلك بتطلعها توسيع دائرة الصراع حتى تشمل من يمول ويدعهم ويتبنى هذه الجماعات والأحزاب والميليشيات التي تستهدفها وتهاجمها. وهذه الخطوات الإسرائيلية فاجأت الجماعات والأحزاب الداخلة في حالة صراع مع إسرائيل، وكذلك فاجأت إيران باعتبارها الطرف الداعم لتلك الجماعات والأحزاب والميليشيات المسلحة والمتطرفة. ففي الوقت الذي أرادت إيران الإبقاء على حالة التوتر مع إسرائيل عبر العمليات المسلحة المتقطعة، اتخذت إسرائيل سياسة جديدة هدفها الرئيس القضاء على هذه الجماعات باستغلالها للظرف الذي تهيأ لها في قطاع غزة، فإسرائيل في هذه الحالة جاهزة تماماً للتحكم بقواعد الصراع، وقادرة على تسييره بالاتجاهات التي خططت لها ورسمتها، في الوقت الذي مازال فيه الطرف الإيراني يعيش في احداث وظروف الماضي.
ثانياً: التحكم بقرار بداية ونهاية الصراع. نعم، قد يبدو أن إسرائيل قامت بردة فعل على من تجاوز حدودها مع قطاع غزة في الـ 7 من أكتوبر 2023، إلا أن طبيعة ودرجة ردة الفعل الإسرائيلية مثلت بداية لصراع مسلح تجاوز العام، وتصاعدت درجته في بداية العام الثاني من الصراع. وإسرائيل التي أعلنت بردة فعلها بداية مرحلة الصراع في الـ 7 من أكتوبر 2023م، تعلن في أكتوبر 2024م بداية مرحلة صراع ثانية في اتجاهات إقليمية جديدة غير محددة المدة، وغير معلوم وقت التوقف، وهذا يعني أن إسرائيل الأكثر جاهزية لتحقيق أهدافها على حساب التكتل الآخر الذي تقوده إيران.
وفي الختام من الأهمية القول إن قواعد الصراع التقليدية التي اعتادت عليها المنطقة قد تغيرت لصالح الطرف الأكثر جاهزية فكرية وعلمية، والأقدر على قراءة ودراسة التاريخ البعيد والقريب، حتى أصبح قادراً على تنفيذ أهدافه ومخططاته واستراتيجياته، بينما خسر أولئك الرافضون للتغير والتطوير والأفكار الحديثة، إن حالة التصعيد المستمر التي تعيشها المنطقة، وحالة بناء التكتلات السياسية والأمنية والعسكرية الراهنة، تُنذِر في مرحلتها الثانية بزيادة نسبة الخُطورة التي قد تشهدها المنطقة في عامها الثاني الذي ابتدأ في أكتوبر 2024.




http://www.alriyadh.com/2099280]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]