يبدو أن العنوان يمثل صدمة، ولكنها صدمة متوقعة، ففي الوقت الذي كانت فيه تشتهر مهنة صاحبة الجلالة «الصحافة»، لوجود علامات وقامات صحافية حملوا أمانة الكلمة على أكتافهم، فكانوا بمثابة المدارس التي تخرّج لنا العشرات من الشباب الموهوبين، بدعمهم وتدريبهم وتأهيلهم لأجيال جديدة، صنعوا تاريخ الكلمة الراقية، والخبر الصادق، والتغطية الاحترافية للفعاليات، أو التحقيق المثير الكاشف، أو التقرير الثري بإحصاءاته وأرقامه وتحليله، وهنا أقصد كل الأقسام دون استثناء، فلكل إبداعاته وإسهاماته، فكان أكثر ما يميز الصحافي السعودي الحس والموهبة، قبل الدراسة، وبعد صقل المواهب بالتعليم الجامعي والأكاديمي، خرج رعيل مثقف واع، أثروا حياة وتاريخ الكلمة والخبر والرأي، وكانت لهم بصمتهم الواضحة، ويبدو أنني أتحدث عن ماض، أو حاضر أوشك أن يكون ماضياً.
بعد تلك الحقب الزمنية، بدأ هذا الجيل ومن قبله وربما من لحقوا به، في التسرب والابتعاد عن العمل الصحافي، فمنهم من اكتفى بالعمل الإداري، وحياة المكاتب الوثيرة، وإن كنت أرى أن الطفرة الاقتصادية كان لها أثر كبير في ابتعاد الصحافيين عن صحفهم، والعمل في المنشآت بمراكزها الإعلامية، ونفس الأمر بالجهات الحكومية التي استقطبت الكثيرين من أبناء المهنة للعمل في المراكز الإعلامية، أو في أقسام التواصل المؤسسي في وزارات وهيئات ومؤسسات، إضافة لفريق كبير لجأ للعمل في الإعداد التليفزيوني، أو هناك ممن كانوا رؤساء تحرير لعدد من البرامج، ومن ثم تركوا العمل الصحافي، وهذا لا يعيبهم إطلاقا.
ما أقصده هنا؛ أن هناك نخبة مما تركوا العمل الصحافي كانوا ممن تعلموا وتدربوا وتخصصوا، وشقوا طريقهم في أقسام نوعية في العمل الصحافي، حتى وإن كانت تقليدية مثل الاقتصاد بنظرته الشاملة، أو الرياضة، أو التحليل المالي، وغير ذلك، فأضحت الساحة الصحافية شبه خالية من المتخصصين في العمل الصحافي المحترف، وهذه مشكلة تواجه العمل الإعلامي في الوطن العربي بلا استثناء، مشكلة التخصص والاحتراف فيه.
وبما أننا نتحدث عن التخصص في العمل الصحافي، فيجب أن نكون أكثر صدقاً في طرح الرؤية التي نراها سترفع شأن العمل الصحافي، وقد يكون الطرح غريباً بعض الشيء، ولكنه واقعي بمعطيات هذا العصر، وتلك الطفرة الاقتصادية التي تشهدها المملكة، فإذا كان لدينا كيانات اقتصادية عملاقة فلماذا لا تتبنى هذه الشركات تخريج وتدريب إعلاميين وصحافيين متخصصين في التحليل الاقتصادي، خاصة في صناعة البترول واقتصادياته المتنوعة، وكذلك المرافق الحيوية الأخرى، بل لماذا لا تخرّج مدرسة الخارجية السعودية الراسخة فرقاً من المحللين السياسيين البارعين المؤهلين، إضافة لوزارات الحكومة المتعددة، كل كيان من تلك الكيانات أرى أن من واجبه استقطاب شباب خريجين مؤهلين علمياً؛ ليكونوا كوادر إعلامية في تلك الكيانات، ومن ثم ضخهم في المؤسسات الصحفية والإعلامية السعودية، هذا التوجه كفيل بأن يفرز لنا جيلاً من المتخصصين الكبار، القادرين على التحليل الموضوعي القائم على أسس علمية وبنظرة عالمية؛ حتى نستطيع تعويض الذين تركوا المجال بآخرين لن يقلوا عنهم خبرة أو علماً، وربما يتفوقون بمعطيات العصر الحديث، وآليات العلم والتعلم الجديدة، نحن في حاجة لتحقيق طفرة تسير في خط متوازٍ مع إنجازات الوطن وسرعة إيقاعه، وبلغة تخاطب الأجيال الجديدة، لاستقطابهم من جديد لعالم الكلمة المكتوبة والمسموعة.
http://www.alriyadh.com/2099284]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]