يبدو أن الحديث عن الفصول الدراسية الثلاثة بات أمراً غير ذي جدوى، ولكن بما أننا رضينا بالأمر الواقع، فيجب علينا «دون حساسية» أن نناقش الأمر بهدوء وبنبرة يسمعها الجميع، تحمل احتراماً وتقديراً لأطراف العملية التعليمية في المملكة، فقد قرأنا وسمعنا أن هناك مراجعة ستكون وشيكة لفكرة الفصول الدراسية بنظامها ثلاثي الفصول، ولم تتم المراجعة، وربما ستكون في نهاية هذا العام أو الذي يليه، وربما فيما يلي من سنوات قادمة، إن أحيانا وأحياكم الله.
ما يشغلني حقيقة ويشغل غيري من أولياء الأمور -دون شك- معضلة الإجازات المطولة التي تقتحم أسابيع كل فصل دراسي، وأدعو السادة الخبراء، وهم أكثر وعياً وفهماً منا، لدراسة جدوى تلك الإجازات المطولة، إضافة إلى إجازة الخريف وهي 10 أيام، وإجازة منتصف العام 10 أيام أو تزيد هي الأخرى، ثم إجازة الشتاء القارس 10 أيام أيضاً، وإجازات عيد الفطر وقبله رمضان بمجموع 15 يوماً، ومثلها إجازة عيد الأضحى، هذا الكم أضف إليه إجازات وطنية عزيزة على قلوبنا مثل: اليوم الوطني، ويوم التأسيس، هذا القدر الضخم من الإجازات هل يرى الخبراء له ضرورة تعليمية تثريها وترفع مستويات الطلاب في جميع مراحل التعليم؟
نحن أمام أزمة حقيقة نضعها أمام «هيئة تقويم التعليم»، تلك الإجازات المطولة، التي يسبقها بناء على رغبات الطلاب وذويهم إجازة يوم أو بعدها إجازة يوم آخر، وتدار الأمور وسياسة التعليم عبر «الواتس أب» بين الطلاب بعضهم البعض، وبين أولياء الأمور، فإذا كانت الإجازة المطولة ستبدأ يوم الخميس، فبالضرورة يكون هناك إلحاحاً من الكثيرين بأن يكون الأربعاء أيضاً ضمن الإجازة المطولة، والأمر كذلك لو كانت الإجازة يوم الأحد، فيرى الكثيرون ضرورة أن يكون يوم الاثنين ضمن الإجازة المطولة أيضاً، وبالمناسبة «هيئة تقويم التعليم» لديها برنامج الاختبارات الوطنية «نافس» الذي يساهم في قياس وتحسين مستوى التحصيل العلمي لطلبة المدارس، وتحفيز التميز المدرسي والتنافس الإيجابي بين المدارس ومكاتب وإدارات التعليم، وفق الأدوار التكاملية والتنسيق المتواصل بين وزارة التعليم وهيئة تقويم التعليم والتدريب؛ لتحقيق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها مستهدفات رؤية المملكة 2030، وبرنامج تنمية القدرات البشرية (أحد برامج رؤية 2030)، ويستهدف البرنامج الصف الثالث الابتدائي الذي يمثل نهاية مرحلة الصفوف الأولية والمبكرة، والصف السادس الذي يمثل نهاية المرحلة الابتدائية، والصف الثالث المتوسط الذي يمثل نهاية المرحلة المتوسطة.
عندما فتحنا نقاشاً مع عدد من الخبراء عن الإجازات المطولة، ظهرت مخاوف كثيرة من «الفاقد التعليمي» الذي يمثل فجوة بين المعرفة والمهارات التي يُفترض أن يكتسبها الطالب في فترة معينة من التعليم وبين ما اكتسبه فعلياً، فيحدث الفاقد التعليمي نتيجة لعوامل متعددة مثل غياب الطالب عن الحصص الدراسية، وتعطيل الدراسة بسبب الأزمات، وضعف جودة التعليم، أو عدم توفير الوسائل التعليمية المناسبة، أو كثرة الإجازات التي تكسر إيقاع العملية التعليمية.
إن الهدف من قياس الفاقد التعليمي، تحديد هذه الفجوة ووضع خطط تعويضية لمعالجتها، لضمان أن يحصل الطلاب على التعليم اللازم ليتمكنوا من التقدم إلى مستويات دراسية أعلى بكفاءة، وإذا كنا نتحدث عن الإجازات المطولة وتداعياتها، فيجب أن يعلم الخبراء أن الفاقد التعليمي خلال تلك الإجازات يفقد الطلاب التواصل مع المواد الدراسية والمعلومات التي تم تعلمها قبل الإجازة، ما يؤدي إلى تراجع مستواهم الأكاديمي، فيحتاج الطلاب في هذه الحالة إلى وقت إضافي لاستعادة ما تم فقده من معارف ومهارات، كما أن الغياب بعد الإجازة يعرقل استمرارية التعلم، مما يؤدي إلى تفكك المنهج وصعوبة ربط الدروس السابقة بالجديدة، مما يزيد الضغوط على المعلمين من إعادة الدروس أو تخصيص وقت أكبر للمراجعة والتعويض، مما يؤثر على تنفيذ خطط التدريس في المواعيد المحددة.
في تقديري.. الإجازات المطولة تضعف في بعض الأحيان حافز الطلاب للالتزام بالحضور والانضباط، ما يجعلهم أقل التزامًا بالعودة إلى النظام المدرسي وإيقاعه المنتظم، كما يؤدي الغياب المتكرر لبعض الطلاب إلى تباين في مستوى التحصيل بين الطلاب الذين يحضرون بانتظام ومن يغيبون، مما يزيد من الفاقد التعليمي والتفاوت بين مستويات الطلاب؛ لذلك، تحتاج المدارس إلى تعزيز برامج لتعويض الفاقد التعليمي وتقديم الدعم للطلاب العائدين بعد الإجازات لضمان استمرارية عملية التعليم بشكل فعال.
ويرى الخبراء أن مواعيد النوم بعد الإجازات المطولة عند الطلاب تتغير، ويكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على أدائهم واستيعابهم، فعندما يعتاد الطلاب على نمط نوم غير منتظم أو ينامون في أوقات متأخرة خلال الإجازة، فإن العودة إلى الروتين المدرسي يصبح تحدياً، لذا يرى الخبراء أنه من الضروري أن يعود الطلاب إلى نمط نوم منتظم قبل بداية الدراسة، بحيث يحصلون على قدر كافٍ من النوم كل ليلة لضمان أداء جيد وصحة نفسية وجسدية أفضل.
وبعيداً عن هذا وذاك، يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة متخصصة في الجهات المعنية بتقويم العملية التعليمية وتطوير المناهج، والصحة المدرسية، لدراسة أكثر شمولاً، لنتعرف عن الفواقد التعليمية وآلية علاجها، ومدى أهمية هذا الحجم من الإجازات، ومن ثم إطالة العام الدراسي لأكثر من 9 أشهر، وبالتالي تتقلص الإجازة الصيفية، وفترات الراحة التي ينعم بها أولياء الأمور قبل الطلاب.
http://www.alriyadh.com/2099627]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]