موجة الدراما الكورية انتقلت وسادت في اليابان، الذي استعمرها لثلاثين عاماً، عن طريق مسلسل (ونتر سوناتا)، وهو يتناول حكاية بسيطة لا علاقة لها بالتاريخ أو الحرب، وبفعل الدراما الكورية وتأثيرها الكبير على المجتمع الياباني عادت العلاقات الدبلوماسية بين كوريا واليابان، ما يعني أن الفن الجيد قادر على حل أعقد الخلافات وأصعبها..
كان الإنتاج الدرامي السعودي قبل أعوام يتجاوز الـ28 عملاً في العام الواحد، ولكنه في هذه الأيام، وفي أحسن الأحوال، لا يصل إلى عشرة أعمال سنوياً، رغم وجود صندوق خاص للتنمية الثقافية، ومعه دعم حكومي يتجاوز المليار ريال، أو ما يعادل 375 مليون دولار، ولا بأس فالأهم هو جودة الأعمال لا كثرتها، والأصعب أن الأعمال بشكليها القديم والجديد مازالت محصورة في محيطها المحلي أو الإقليمي الخليجي، ولمن لا يعرف فالدراما في المملكة بدأت مع تأسيس التلفزيون السعودي، أو في ستينات القرن العشرين، وعمرها في حدود 60 عاماً، والفترة السابقة لو تم استثمارها بالطريقة الصحيحة لأصبحت الدراما المحلية رقما مهما في خارطة الفن والترفيه العالمية، ولعل بعض الموانع القديمة معروفة ومقدرة.. إلا أنها لم تكن، في كل الأحوال حاجزاً حقيقياً لا يمكن اختراقه، ومن الشواهد مسلسل (طاش ما طاش) الذي استمر عرضه ما بين عامي 1993 و2010، وناقش موضوعات حساسة في وقته، والدليل أرشفته في مكتبة الكونغرس الأميركي، كوثيقة اجتماعية مصورة، تفيد الباحثين في الوقوف على أحوال المجتمع السعودي، وبالأخص عن تلك الفترة، وهذا بالتأكيد يعتبر إنجازاً بالمفهوم التوثيقي لا الدرامي، لأنه أقرب إلى الكتابة الصحافية الاستقصائية من التمثيل والدراما.
في المقابل كوريا الجنوبية لم تهتم بالدراما إلا مؤخراً، أو في أواخر التسعينات الميلادية، عندما أعادت تقديم نفسها إلى العالم، وذلك بعد الأزمة المالية الآسيوية في 1997، وليس عن طريق التصنيع، واستعادة وزنه الثقيل في الاقتصاد الكوري، فالمعروف أن كوريا لديها شركات عملاقة كـ(هيونداي) و( إل جي) و(سامسونغ)، وإنما بالاستثمار في مخزون الكوريين الثقافي وفي احترامهم للقيم (الكونفوشيوسية) في المجتمعات الشرقية، والتي تركز على التركيبة العائلة، مقارنة بالفردانية في المجتمعات الغربية.
التوظيف الدرامي لهذا المفهوم وجد قبولا عند الصينيين بعد عرض المسلسل الكوري (ما هو الحب)، والذي يمثل دراما عاطفية بين زوجين من عائلتين مختلفتين، إحداهما متحررة والثانية محافظة، وهذه التوليفة بين المحافظة والتحرر، البعيدة عن الأفكار المعتادة في الصين، وجدت قبولا عند الشباب الصيني، وموجة الدراما الكورية انتقلت وسادت في اليابان، الذي استعمرها لثلاثين عاماً، عن طريق مسلسل اسمه (ونتر سوناتا)، وهو يتناول حكاية بسيطة لا علاقة لها بالتاريخ أو الحرب، وبفعل الدراما الكورية وتأثيرها الكبير على المجتمع الياباني عادت العلاقات الدبلوماسية بين كوريا واليابان، ما يعني أن الفن الجيد قادر على حل أعقد الخلافات وأصعبها، وساهم (ونتر سوناتا)، بحسب الإحصاءات اليابانية، في رفع عوائد السياحة ومشتريات اليابانيين في كوريا، بمقدار ملياري دولار عام 2004.. ومسلسل (شباب البومب) السعودي مؤثر بنفس الدرجة، ولكنه لم يستثمر إطلاقاً، وعدم اتفاقي معه، لا يلغي أنه سيطر على أرقام المشاهدة الرمضانية لـ13 عاماً، لأنه اعتمد على الأفكار الواقعية البسيطة، وتوجه لفئة الشباب، وهم سعوديا يمثلون 70 % من إجمالي السكان.
ثم جاء مسلسل (جوهرة القصر) الكوري، والمفارقة أنه حقق نسبة مشاهدة في إيران وصلت لـ86 %، وارتفعت في العاصمة الإيرانية طهران إلى 90 %، ولا أتصور أن الدراما السعودية أو العربية أو حتى الأميركية تستطيع تحقيق النسبة السابقة، في الوقت الحالي، خارج دولها، والتأثير لم يتوقف عند هذا الحد فقد امتد إلى أوروبا وأميركا وأستراليا، والدراما الكورية نجحت لأنها تعمل على تدريب المواهب في سن صغيرة، ومن أعمار تتراوح ما بين ستة أعوام و12 عاماً، تماما مثلما تفعل أكاديمية (مهد) السعودية مع مواهب كرة القدم، وليس على طريقة ورشة (السوب اوبرا) المحلية غير الموفقة، في (الميراث)، وحالياً في (مجمع 75)، وبحسب منصة (نتفليكس) الرقمية فإن 60 % من مشتركيها قاموا عام 2023 بمشاهدة مسلسل كوري واحد على الأقل، وهؤلاء تصل أعدادهم إلى 270 مليون مشترك، و(نتفليكس) تستثمر مليارين ونصف المليار دولار في المحتوى الكوري.
لم تراهن كوريا الجنوبية في المحتوى الدرامي الذي قدمته على الحكايات المعقدة، والتي كانت هوليود تستطيع التفوق فيها بمراحل، وإنما على ما وراءها من تفاصيل، ومعظم المعجبين بها عالمياً لا ينظرون لما تناقشه من قضايا، ويهتمون بتعبيرها المتفوق عن المشاعر الإنسانية، كانكسار البطل أو تضحية الأب، أو رغبة المرأة في إثبات ذاتها، أو الموت المجاني نتيجة لفشل في مسابقات أطفال، كما في (لعبة الحبار)، وعلى سردياتها البسيطة ومحدودية مكانها وشخصياتها، التي تشبه المسلسل السعودي (اختطاف)، ورؤيته المحلية لمتلازمة ستوكهولم، أو لغرام الضحية بالجلاد، الذي حبسها لعشرين عاماً، وكمية المشاعر فيه مؤثرة وعالية، والمؤمل تكرار التجربة، بسرديات مختلفة، وبنفس الصدق والاحترافية، وبطاقم وطني كامل، والأهم أن يكتب الأدوار، في السيناريو الدرامي، كتاب من نفس جنس الشخصية، لأن هذا ما يحدث في كوريا الجنوبية، بينما في هوليود الأميركية، 90% من الأدوار النسائية، يكتبها رجال يعملون على تسليعها غالباً.




http://www.alriyadh.com/2099815]إضغط هنا لقراءة المزيد...[/url]