[align=justify]
[align=center] (8) [/align]
عندما استسلمت لنوم هانئ لم أذق طعمه منذ يومين ¡ سمعت صوتُ طرق لباب الغرفة ..
علقت عيناي على الباب..
فكان خالد يفتح الباب بهدوء وجه نظره نحوي ثم دخل وهو صامت ..
جلس ووجهه مقابل لي ..
عدلت من جلستي وأنا متحاملة التعب النفسي الذي في قلبي ..
بدأت أتأمل وجهه المليء بلغة الحزن والألم ..
ملامحه تحكي حاله .. وتقاسيمه تفضح مآله ..
حاولت أن أتماسك وأكون صارمة معه فهو لا يستحق العطف ..
لكني أخشى حينها فوات هذه الفرصة في التقرب إليه ..
ترى لماذا دخل ¿¿ .. لماذا هو صامت !! ..
هل سيصارحني ¿ .. هل سيخبرني أنه لن يعود لما رأيته ثانيه¿ .. يا رب ..
فجأة نهض خالد من جلوسه وبلهجة حادة قال:
- أخبريني كيف دخلتي علي اليوم فجرا وماذا كنت تفعلين وماذا رأيتي .. بسرعة ..
رفعت رأسي نحوه ثم حدقت النظر في وجهه ¡ ولم أنبس ببنت شفة ..
صرخ في وجهي :
- هل تتحدثين أم أستخدم العنف معك..
قاطعته بحده ..
- خالد احترم من تتكلم معها ¡ واحترم نفسك الذي أهنتها وأهملتها ..
احترم من حاولت تتقرب إليك منذ سنوات ..
أنا أختك الكبرى التي تأملت فيك غد مشرق فخذلتها ..
خالد .. أنت رجل لا ينقصك شيء .. لديك بيت وأخت وأموال .. وكل شيء تتمناه ..
لماذا أنت فاشل .. لماذا تذهب للحضيض ..
أخبرني إن كان ينقصك أي شيء سأعطيك إياه بنفسي ..
لكن لماذا لا تحترم من رباك وتحترم سمعة العائلة التي تعيش تحت كنفها ..
خالد دمعتي هذه هل هي رخيصة عندك مثل نفسك التي لا تقيم لها وزنا ¿..
خالد أرجوك لماذا لا تسمعني بقلب واعي .. تكلم ..
- منار أزعجتيني بكلامك السخيف باختصار أجيبي عن سؤالي كيف دخلتي غرفتي .. أنا مشغول تكلمي وإلا ...
- إلا !!!! .. إلا ماذا يا خالد .. ماذا تنوي ¿!!
تضربني .. تقتلني .. ماذا ستفعل ¿¿¿ كل شيء أتوقعه منك ..
- منار .. إن أخبرتي أبي بأي شيء يخصني .. فلن تلومي إلا نفسك .. حذرتك .. أمسكي لسانك ودعيني وشأني ... هذا آخر كلام معك ..
خرج خالد وأغلق الباب بأقصى عنف حتى أحسست أن البيت سيتهدم فوق رأسي .. لم أبكي هذه المرة .. بل تلون وجهي حتى غدت دمائي متجمدة ..
خالد صار مجنونا .. مجنونا حقا ..
إذا كان لا يريدني أن أخبر أبي فكيف لو أخبرت الشيخ الذي اقترحت مها !!!
يا الله !! .. فعلا الهادية لا تكون بالحب .. وإنما بمشيئة الله ..
سبحانك ربي حيث قلت جل في علاك :
{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
لا يمكن أن أترك خالد يعيث فسادا في حياته سيتضرر أشد مما لو أخبرت أبي عنه..
في المقابل فإن أبي لن يتصرف إلا بقرارات متسرعة ..
حين رأيت أن الأبواب حولي مسدودة .. أحسست أن الطريق شائك ومظلم ..
حتى صرت أفكر باقتراح مها بجدية وأفكر بنتائجه ..
أردت أن أتحدث معها لأعرف لماذا فكرت بهذه الفكرة ..
قد أكون قد تسرعت في رفضها ..
فإذا هي تسبقني وتتصل وكأنها تعيش ما أعيش من ألم وحيرة ..
قلت لها بقلق :
- مها أرجوك هل تريدين أن يعاقبون أخي .. هل تريدين أن يسجونه .. أخبريني لماذا فكرتي بهذا التفكير الغير منطقي !!
- منار لماذا أنت متسرعة دعيني أخبرك عن رأيي .. نظرتك لهذه الفئة يبدو أنها محاطة بالغبار والأسلاك الشائكة ¡ هؤلاء يا منار يعيشون الحياة كما خلقوا لها ¡ يعرفون معناها وطعمها ¡ لو عرفوا خالد سيتمنون له الخير ¡ يتمنون أن يشاركوه سعادتهم..
هؤلاء عندهم نظرة للحياة مشرقة ¡ يعرفون إلى أين يتجهون .. لهم أهداف ¡ طموحات لا تنحصر بهم بل يتعداه للآخرين من الشباب غيرهم .. خيرهم متعدي لغيرهم ..
أما خوفك من عنفهم وتسلطهم فهذا لا يحصل سوى من حالات فردية لا تقاس كحقيقة ..
ربما الإعلام شوه صورتهم ..
لكنهم في الحقيقة صوت الخير والنجاة .. فلا تقيسي خطأ فردي حصل من أحدهم عليهم كلهم ..
فليس هناك من هو معصوم من الخطأ ..
فلو أخبرنا الشيخ عن حاله سيحاول أن يساعده لأننا اتصلنا لنشتكي عن حاله ولسنا لنبلغ عنه ¡ بل سيفهم أننا اتصلنا لأننا بحاجة إليه..
- لكن .. خالد ...
- أنت وافقي ودعي كل الأمور تمشي بتوفيق الله إن شاء الله ..
- خالد هددني لو علم أحدا عنه سيـ .....
- لا تتوقعي أن الشيخ سيذهب إليه ويقول أنت سكير مخمور مريض وقد شكوني عنك تعال لأساعدك .. لا .. سيتكلم معه بطريقة لن يشعر بأنك قد شكوتي إليه ..
- وهل تضمنين ذلك ¿!!
- بإذن الله إذا كان شيخا له باع طويل في نصح الشباب ومخالطتهم ومعرفة احتياجاتهم ونفسياتهم ومعروف بذلك فإن شاء الله أن النتيجة ستكون طيبة ..
- ارتحت لكلامك لكني مازلت متخوفة .. إذا متى أتصل ¿!!
- الآن .. اتصلي وتكلمي بكل وضوح وحدثيه عن مخاوفك وسيساعدك ..
- لكن لماذا لا أكلم احد أستاذاتك في الجامعة أحسن من لو كلمنا الرجال أليس كذلك ..
- كلامك جميل لكن مشكلتك متعلقة بأخيك ولا تستطيع أستاذاتي حل مشاكل شباب !!
- فعلا !! الخوف تمكن مني بشدة حتى صرت لا أدري كيف أفكر !!! ..
- هيا يا منار اتصلي الآن ..
- لا .. أخاف .. لن أتصل لا تضغطي علي .. لا أعرف كيف أتعامل أرجوك أنا خائفة ..
- منار يبدو أنك مترددة وغير مقتنعة ¡ أنت حرة هذا الحل الوحيد الذي عندي ¡ وهذا رقم الشيخ إذا أردت الاتصال .. سأدعك تفكرين حتى تتخذين القرار المناسب ..
- حسنا يا مها شكرا لك ..أستأذنك الآن .. مع السلامة ..
نظرت إلى الرقم ويداي ترتجفان إذ أني غير مطمئنة لهذه الخطوة بتاتا!!!
تذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من سعادة بن آدم استخارته إلى الله ومن شقاوة بن آدم تركه استخارة الله) - حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ..من كتاب المستدرك على الصحيحين-
ثم قمت وتوضأت وصليت صلاة الاستخارة لعل نفسي تستقر على أمر ما.
مر اليوم والخوف قد تمكن بنفسي أكثر وأكثر .. لم أعد أركز في شيء ..
كل شيء يقلقني .. حتى الطعام صرت لا أشتهيه ..
كيف لو اتصلت على هذا الشيخ وعلم أبي عني ..
ماذا سيقول .. سيستفسر .. يستغرب .. يستفهم .. يتصل .. ثم يصل للشيخ ويسأله ..
الأمر صعب للغاية ..
سمعت صوت أبي وهو داخل للمنزل ¡ وإذا بي أضطرب وكأني فعلت أمرا مريبا !! ..
قمت من مكاني خبأت الرقم .. وغسلت وجهي ..
لكن عيني منتفخات من البكاء .. حاولت أن أضع أي شيء في وجهي لعله يمحي أثر الحزن ..
وبسرعة نزلت من الدرج .. سلمت على أبي وجلست بجانبه ..
بدأ أبي يكلمني .. وأجيبه بصوت متغير .. لم أستطع أن أعدل صوتي .. ثلاثة أيام أبكي .. كيف أعيد صوتي في دقيقة ..
شك أبي أني أحدث نفسي بطول صمتي منذ جلست معه .. فسألني ..
- منار هل أنت متعبه !! ..
وجهك مصفَر .. أكلت .. شربت .. نمت ¿!!
- لا يا أبي سهرت على قصة حزينة أقرأها منذ ثلاثة أيام وقد عشت أحداثها ولم أستطع أن أتمالك نفسي ..
ضحك أبي وقال :
- بنات آخر زمن تبكون على الوهم .. لماذا تشغلين نفسك بالإرهاق ..
- لأنه ليس هناك ما يشغلني !! ..
ضحك أبي ودعاني للعشاء وسألني : أين خالد¿ ...
وقلت له بلا مبالاة :
- لا أدري قد يكون نائما ..
أكلت بعض اللقيمات مع أبي ثم غادر إلى غرفته لينام ..
تنفست الصعداء فلا أدري لماذا استخدمت أسلوب التورية لصرف أبي عن حالي ..
جلست وحدي ومازلت فكرة مها ترن في ذهني .. ولم أتخذ قرارا حاسما بعد !
[/align]