والرؤيا يراها المسلمون تبشرهم بنصر الله U¡ ويراها المشركون فتحطم معنوياتهم¡ وتنزل اليأس والهزيمة في نفوسهم¡ فلا شك أن الرؤى والأحلام لها أثر سيئ في المشركين¡ وكانت سببًا من أسباب النصر¡ وهذا الكلام نجد له شواهد كثيرة على مدار التاريخ الإسلامي.
هذه رؤيا رآها جُهَيْم بن الصَّلْت بن المطلب أحد أقارب النبي r¡ ولكنه لم يؤمنº فقبْل غزوة بدر رأى في منامه حيث نام فأغفى¡ ثم فزع فقال لأصحابه: هل رأيتم الفارس الذي وقف عليَّ آنفًا¿ فقالوا: لا¡ إنك مجنون. فقال: قد وقف عليَّ فارس آنفًا. فقال: قُتِل أبو جهل وعتبة وشيبة وزمعة وأبو البختريّ وأمية بن خلف. فعدَّ أشرافًا من كفار قريش. والرؤيا انتشرت في مكة كلها¡ حتى وصلت إلى أبي جهل¡ فقال: "وهذا أيضًا نبيٌّ من بني عبد المطلب¡ سيعلم غدًا مَن المقتول إنْ نحن التقينا"[23]. ولا شك أن لهذه الرؤيا أثرًا سيئًا على المشركين.
وقد رأت عاتكة بنت عبد المطلب -وهي عمة رسول الله r¡ وقد اختلف في إسلامها¡ والراجح أنها لم تسلم- قَبْل قدوم ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة بثلاث ليال¡ رأت رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها العباس بن عبد المطلب فقالت له: يا أخي¡ والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني¡ وخشيت أن يدخل على قومك منها شرٌّ ومصيبة¡ فاكتم عليَّ ما أحدثك. قال لها: وما رأيتِ¿ قالت: رأيت راكبًا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح¡ ثم صرخ بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غُدُر (أهل مكة) لمصارعكم في ثلاثº فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ثم دخل المسجد والناس يتبعونه¡ فبينما هم حوله مَثَلَ به بعيرُه على ظهر الكعبة¡ ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته: ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاثº ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس فصرخ بمثلها¡ ثم أخذ صخرة فأرْسَلَها¡ فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضَّت¡ فما بقي بيت من بيوت مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة. فقال العباس: والله إن هذه لرؤيا رأيت¡ فاكتميها ولا تذكريها لأحد.
ثم خرج العباس فلقي الوليد بن عتبة بن ربيعة¡ وكان له صديقًا¡ فذكرها له واستكتمه إياها¡ فذكرها الوليد لأبيه عتبة¡ ففشا الحديث حتى تحدثت به قريش. قال العباس: فغدوت أطوف بالبيت وأبو جهل بن هشام في رهط من قريش قعود¡ يتحدثون برؤيا عاتكة¡ فلما رآني أبو جهل قال: يا أبا الفضل¡ إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا. قال: فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم. فقال لي أبو جهل: يا بني عبد المطلب¡ متى حَدَّثت فيكم هذه النبيَّة¿
قلت: وما ذاك¿ فأراد العباس أن ينكر.
قال أبو جهل: الرؤيا التي رأت عاتكة¿
قال العباس: وما رأت¿
قال أبو جهل: "يا بني عبد المطلب¡ أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبَّأ نساؤكم¿ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال: انفروا في ثلاث¡ فإن يكُ ما قالت حقًّا فسيكون¡ وإن تمضِ الثلاث ولم يكن من ذلك شيء نكتب عليكم كتابًا أنكم أكذب أهل بيت في العرب"[24].
هذه فرصة لأبي جهل أن يشمت في بني عبد المطلبº لأنه سباق طويل بين بني عبد المطلب وبين بني مخزوم قبيلة أبي جهل¡ وما منع أبا جهل أن يؤمن - مع أنه يعلم أن محمدًا رسول الله - هو أن الرسول r من بني عبد المطلب القبيلة المنافسة لهم¡ وهذه أشياء من آثار الجاهلية التي قد هدمها الإسلام.
وقبل أن تمرَّ ثلاثة أيام جاء ضمضم بن عمرو الغفاري¡ وهو يصرخ ببطن الوادي واقفًا على بعيره¡ قد جَدَّع بعيره¡ وحوَّل رحله¡ وشَقَّ قميصه وهو يقول: "يا معشر قريش¡ اللطيمةَ اللطيمةَ¡ أموالكم مع أبي سفيان قد عَرَض لها محمد في أصحابه¡ لا أرى أن تدركوها¡ الغوثَ الغوثَ"[25]. فتحققت رؤيا عاتكة¡ وخرج جيش مكة وهو يشكُّ في النصر بسبب هذه الرؤيا.
ورأينا على مدار التاريخ أهل الكفر وهم يرون رؤى الهزيمة قبل نشوب القتال¡ فهذا رستم قائد الفرس يرى رؤى الهزيمة من المسلمين في أرض فارس¡ ورأى هرقل قائد الروم رؤيا تنعي إليه هزيمة الرومان في بلاد الشام¡ وغير ذلك كثير.
أما على الجانب الآخر فنرى رُؤَى المؤمنين تبشرهم باقتراب وعد الله لهم بالنصر¡ وكسر شوكة الكافرينº ففي ليلة بدر يرى الرسول r رؤيا توضح قلة عدد المشركين في المعركة¡ وما رآه المسلمون قبل نشوب القتال: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الأنفال: 43].
يقول الحق تبارك وتعالى: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ } أي: لجبنتم. {وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} في أمر القتال وتفرقت آراؤكم. {وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ} أنعم بالسلامة من الفشل والتنازع. {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}.
فالرسول r يقول: "الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ"[26]. فكان لهذه الرؤى أثرٌ إيجابيٌّ كبير في المؤمنين¡ وأثرٌ سلبيٌّ كبير في الكافرين.
[align=center][/align]